الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ» (١) وقوله تعالى : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ)(٢) على كون هذه الالفاظ حقائق لغوية لا شرعية.
تقريب الاستدلال : ان هذه الآيات تدل على وجود معاني هذه الالفاظ في الشرائع السابقة ، ويثبت وضع هذه الالفاظ لها فيها بضم مقدمة اخرى ، وهى ان العرب المتدينين بتلك الاديان لما سمعوا هذه الآيات فلا يخلو إمّا انهم ما فهموا منها هذه المعاني المعروفة ، او فهموها بمعونة القرائن الموجودة في البين ، او فهموها من حاقّ اللفظ ، والاول واضح البطلان لا يمكن الالتزام به ، وكذلك الثاني ، اذ من البعيد جدا احتفاف جميع تلك الالفاظ الموجودة في القرآن بالقرينة ، فلم يبق الا الالتزام بانهم فهموا تلك المعاني من حاقّ اللفظ ، وهو المطلوب ، ولعل هذا هو المراد من بعض العبارات المشتملة على الاستدلال بهذه الآيات لا ما يتوهم من ان المراد اثبات تداول هذه الالفاظ في الشرائع السابقة.
ثم انه تظهر الثمرة بين القولين في حمل الالفاظ الصادرة من الشارع بلا قرينة على معانيها الشرعية بناء على ثبوت الوضع والعلم بتاخر الاستعمال عنه (٣) ، وعلى معانيها اللغوية بناء على عدمه ، ولو شك في تأخر الاستعمال وتقدمه إمّا بجهل التاريخ في احدهما او كليهما فالتمسك باصالة عدم الاستعمال الى ما بعد زمان الوضع فيثبت بها تأخر الاستعمال مشكل ، فانه مبنى على القول بالاصول المثبتة إما مطلقا او في خصوص المقام ، مضافا الى معارضتها بالمثل (٤) في القسم
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية ١٨٣.
(٢) سورة الحج ، الآية ٢٧.
(٣) وهنا قيد آخر : وهو ان يكون المعنى الاول مهجورا ، وإلّا فمجرد ثبوت الحقيقة الشرعية والعلم بتاخر الاستعمال لا يوجب الحمل على المعاني الشرعية كما لا يخفى «منه».
(٤) هذا بناء على جريان الاصل في مجهولى التاريخ ذاتا وسقوطهما بالمعارضة ، ولكن التحقيق كما يأتي في محله ان شاء الله تعالى عدم الجريان رأسا لكون النقض في كل منهما شبهة مصداقية للنقض بالشك او باليقين. «منه».