فينحصر المخلص عن جميع الاشكالات في الوجه الثالث الذي اختاره في حواشي الدرر جديدا (١) ، وهو القول باخذ التجريد عن الشك في موضوع الحكم الواقعي لحاظا ، لا قيدا ، كأخذ التجريد عن الخصوصيّات في موضوع الكلية. واما التصويب فيجاب عنه بان الحكم الظاهري ليس ناشيا عن مصلحة في متعلّقه ، حتى يوجب كسر مصلحة الواقع ، بل عن مصلحة في نفسه ، وهي تسهيل الامر على العباد ورفع كلفة تحصيل العلم والاحتياط الكليّ عنهم ، مع كون ظنونهم الفعلية غالب المخالفة وعدم ايتمارهم بارشاد الشارع اياهم الى ما يراه طريقا ، فعند ذلك اوجبت الحكمة جعل عدة اوامر مولوية بلسان الامارة ، واخرى بلسان الاصل ، ثم العقوبة في صورة المخالفة عند الاصابة تكون على مخالفة هذا الامر الظاهريّ ، لكونه امرا مولويا ، لا على مخالفة الواقع ، لانّ الفرض عدم تنجزه ، لا بالعلم ولا بطريق آخر يراه العبد طريقا ، وفي صورة عدم الاصابة لا عقوبة لأجل عدم فوت غرض من المولى.
فصل
في تبدّل رأى المجتهد
لو تبدّل رأى المجتهد الى رأى آخر فلا اشكال في لزوم اتباع الرأى الثاني في الوقائع اللاحقة ، وامّا بالنسبة الى الوقائع السابقة فهل يرتّب عليها اثر الصحة اولا؟. لا بدّ اوّلا من تحرير محلّ النزاع فنقول :
هو ما اذا لم يكن مدرك الاجتهاد الاوّل هو القطع بالحكم الاوّلى ولا الظن الاجتهادي به وقد ظهر في الاجتهاد الثانوي خطاء نفس الاجتهاد ، كما اذا تبين انه توهّم ما ليس بظهور ظهورا ، اذ ليس في هاتين الصورتين امر ظاهريّ حتى
__________________
(١) الدرر ، ج ٢ ، تعليقة ص ٣٢٨.