الثاني : ان التخيير هل هو على سبيل الاستمرار ، بمعنى انه هل يجوز للحاكم ان يحكم على طبق أمارة في واقعة ثم يحكم على طبق أمارة اخرى في واقعة اخرى ام لا ، وكذا يجوز للمفتى ان يختار في عمل نفسه أمارة ويعمل على طبقها ثم يختار اخرى ويعمل عليها ، وكذا يفتى للمقلد هذا النحو من الاختيار ام لا؟
الاقوى هو الاول ، لاطلاق ادلة التخيير (١) خصوصا بعد ملاحظة ما ورد في بعض الاخبار من ان الاخذ باحد الخبرين انما هو من باب التسليم ، ومن المعلوم أن مصلحة ذلك لا تختص بابتداء الحال ، وان أبيت عن ذلك وقلت : ان الاخبار لم يكن لها تعرض إلّا لبيان وظيفة المتحير في اول الامر ، يكفى في اثبات
__________________
للمقلّد ، فان الافتاء ايضا عمل للمجتهد مشمول للخطاب بالتخيير ، ولهذا لو كان الخبران في احكام الحيض مثلا يشمله الخطاب بالتخيير بملاحظة عمل الافتاء ، وبين ان يحدث الموضوع في حق المقلد بعرض الخبرين ثم افتائه بالمسألة الاصولية ، وهو يأخذ بايهما شاء ويعمل بمضمونه ، وهكذا الحال في الاستصحاب ، فللمجتهدان يوجد في حق المقلد اليقين السابق ويفتيه بعدم نقض اليقين بالشك ، كما ان له الافتاء بالمسألة الفرعية ايضا ، بملاحظة ان نفس الافتاء من الآثار العملية المشمولة لخطاب لا تنقض ، فكما كان يفتي في السابق بمقتضى يقينه بالحكم العام لكل احد ، فكذلك له ان يفتى بهذا العموم في الحال اللاحق. (م. ع. مدّ ظلّه).
(١) بل الاقوى هو الثاني ، لمنع الاطلاق اوّلا ، ومنع الاستصحاب ثانيا ، اما منع الاطلاق فلاستلزامه اجتماع اللحاظين ، لان ظاهر قوله : «خذ باحد الخبرين» هو احداث الأخذ ، ألا ترى انه لا يقال في حق من كان قائما من السابق : «قم» مثلا الا على سبيل التجوز ، فكذا بالنسبة الى من كان آخذا بخبر من السابق لا يقال : «خذ» الظاهر في امره باحداث الاخذ ، ومن المعلوم انه بعد ارادة التخيير في خصوص الاحداث لو اريد التخيير في الابقاء ايضا كان مستلزما للجمع بين اللحاظين المتنافيين ، ومن هنا يظهر منع الاستصحاب ايضا لتعدد القضية المتيقنة والمشكوكة ، اذ الاولى هو التخيير في الاحداث ، والثانية هو التخيير في الابقاء ، واما استصحاب الجامع بين التخييرين فمعارض باستصحاب نفي الفرد الثاني او محكوم له ، على اختلاف القولين في تسبب الكلي من الفرد وعدمه. (م. ع. مدّ ظلّه).