ويمكن الجواب عن كلا الامرين : اما الاول فبكفاية التعدد الاعتباري اذ ليس مقام الاستعمال احوج الى الاثنينية من مقام الحمل ، والتعدد الاعتباري ـ كما في قولك زيد قائم ـ كاف للثاني ، فكذا الاول ، فان الافناء فعل النفس ، فالمغايرة الاعتبارية الحاصلة في ذلك العالم كاف لمقام الاستعمال ايضا ؛ وحينئذ نقول : لا اشكال في ان لوجود لفظة «ديز» جهتين : جهة اضافة الى الفاعل ، وجهة اضافة الى القابل فمن الحيثية الاولى نعبّر عنه بالايجاد ، ومن الحيثية الثانية نعبّر عنه بالوجود ، وهذان اعتباران متغايران مصححان لتخلل الفاء ولعناية العلية والمعلولية ، حتى يصح ان يقال : اوجدته فوجد ، ولا شك ان مقام الاستعمال وكون الشيء حاكيا ومحكيا لا يحتاج بازيد من مقام العلية والمعلولية الى التعدد والاثنينية ، وحيث كفى الاعتباران المذكوران للثاني فليكفيا للاول ايضا ، فالفاني هو وجود اللفظ بحيث انتسابه الى اللافظ ، والمفني فيه هو بحيث انتسابه الى ماهية اللفظ المخصوص.
واما الثاني فبأنّ النظر الفراغي على نحوين : الفراغ عن الوجود الثابت ، وهذا مناف مع مقام الايجاد ، والفراغ عن الوجود الذي سيثبت ، كما هو المتحقق في القضايا الحقيقية ، وهذا غير مناف معه وكاف لمرحلة الاستعمال ايضا ، كما لو اتى بلفظة «هذا» للاشارة الى موجود يثبت ويتكون في الخارج بنفس هذه اللفظة ، فان الوجدان شاهد بصحته ، وهذا نظير الاتيان بصيغة الماضي في مقام التعبير عن الامر المستقبل بملاحظة كونه محقق الوقوع ، فكما ان تحقق الوقوع في المستقبل مصحح للاتيان بصيغة المضي فكذلك مصحح لتحقق الاستعمال في مقامنا.
(*١٤ ، ص ٤١) قوله «دام ظله» لكن يمكن مع ذلك القول : بصحة قولنا : زيد لفظ او ثلاثي «الخ» ان قلت : الظاهر عدم صحة هذا الوجه ، وتوضيحه يحتاج الى تقديم مقدمتين :
اوليهما انه لا شك في انّ تركيب القضية لا يمكن إلّا في عالم الذهن بايقاع الحمل بين امرين ذهنيين في ظرف التقرر ، لوضوح اقتضاء الحمل وجود شيئين : احدهما موضوع ، والآخر محمول ، وصورة المحمول مجردة عن الموضوع ، ويقطع النظر عن وصفي الذهنية والتجريد ، ويحكم بان هذين الشيئين اللذين هما اثنان في ظرف التقرر واحدان في الخارج او في الذهن ، فكما يحتاج في تحقق القضية الى لحاظ الاتحاد اما خارجا واما ذهنا ليكون الحمل باعتباره ، كذلك لا محيص عن تجريد كل من الموضوع والمحمول عن الآخر ، وهو لا يتحقق في الخارج ، ضرورة كونهما فيه أمرا واحدا ، واذن فالموضوعية والمحمولية وصفان ذهنيان طارئان على المحل الذهني بلحاظ الحكاية عن الواقع ، لا على الخارجي بخارجيته ، فبمجرد تحقق زيد قائم في الخارج لا تتحقق القضية ما لم ترتب صورتها في ذهن ذاهن.