لان الموضوع غير قابل للجعل ، وبعبارة اخرى : لو قام الدليل على حرمة شرب التتن في قبال استصحاب اباحته ، مثلا ، يمكن ان يقال : ان شرب التتن حرام يقينا بعنوان انه قام على حرمته الدليل المعتبر ، وأمّا اذا قامت البينة على موت زيد في قبال استصحاب حياته فلا يمكن ان يقال : انه ميت يقينا بعنوان قيام البينة على موته ، فحياة زيد في المثال مما علم سابقا ، ولم يعلم عدمه لا حقا بوجه من الوجوه ، فالعمل على طبق البينة نقض لحياته سابقا بغير اليقين بالخلاف.
ومنها : أن الوجوه المذكورة ليست عناوين للاحكام بمعنى تعلق الاحكام بها بعناوينها ، بل انما لوحظت طريقا الى الواقع ، ومقتضى تلك الملاحظة ان يجعل الحكم الثانوي للعنوان الذي يكون موضوعا للحكم الاولى ، مثلا لو قام الدليل على حرمة شرب التتن فمقتضى طريقية ذلك الدليل أن يصير شرب التتن بهذا العنوان محرما ، اذ لو لوحظ عنوان قيام خبر العدل في موضوع هذا الحكم كالغصب وساير العناوين الموضوعة للاحكام لخرج الدليل عن كونه طريقا معتبرا ، من جهة حكايته عن الواقع ، واذا فرض ان مقتضى الدليل كون شرب التتن محرما بالحرمة الثانوية فنقول : ان مقتضى الاستصحاب كونه مباحا بالاباحة الثانوية ، فاى مزية له عليه ، إلّا ان يلتزم بان غاية الاستصحاب هو العلم بالحكم الفعلى وان لم يكن متعلقا بوجه من الوجوه سوى الوجوه الواقعية ، ونحن علمنا حرمة شرب التتن بواسطة الدليل القائم عليها مثلا ، فتحقق العلم الذي هو غاية للاستصحاب.
فان قلت : لم لا نأخذ بمفاد الاستصحاب ، ونعلم انه غير حرام فعلا ، حتى لا يحتاج الى الاخذ بالدليل الدال على الحرمة؟
قلت : لان ذلك موجب لرفع اليد عن الدليل من دون موجب ، بخلاف العكس ، فانه يوجب التخصيص في دليل الاستصحاب ، والوجه في ذلك ان ايجاب الاخذ بالطرق الشرعية ليس مغيا بالعلم بالحكم الفعلى حتى يمكن الاخذ بمفاد الاستصحاب وجعله غاية له ، كما في العكس ، بل الدليل على وجوبه