«وبعد الغضّ عن هذا نقول : إنّ القصد قصدان : قصد بمعنى الداعي الباعث نحو الفعل فيكون حصول الحرام غاية لفعل المعين ، وهذا هو الذي أراده المصنّف من القصد ، وقصد بمعنى الإرادة والاختيار فيكون الحرام ممّا اختاره المعين باختيار ما يعلم ترتّبه عليه.
والقصد بكلا معنييه غير معتبر في تحقق عنوان الإعانة ، فإنّ الحقّ أنّ الإعانة عنوان واقعي غير دائر مدار القصد. فنفس الإتيان بمقدمات فعل الغير إعانة للغير على الفعل.
نعم مع عدم العلم بترتب الحرام لا يعلم كون الفعل إعانة على الحرام ، فمن أجل ذلك لا يحرم ، إذ كانت الشبهة تحريمية موضوعية ، وهذا غير خروجه عن عنوان الإعانة واقعا.
أمّا إذا علم بالترتب زالت الشبهة وتنجز حكم الإعانة ....
فإذا لا إشكال في حرمة إعطاء السيف والعصا بيد من يعلم أنّه يقتل به أو يضرب بها ، وكذا حرمة بيع العنب لمن بعلم أنّه يعمله خمرا.
وأمّا تجارة التاجر وسير الحاجّ مع العلم بأخذ العشّار والظالم ، وكذا عدم تحفظ المال مع العلم بحصول السرقة ، فالكلّ خارج عن عنوان الإعانة. وذلك لا من جهة عدم حصول القصد الغائي لما عرفت من عدم اعتبار هذا القصد ولا ما دون هذا القصد ، بل من جهة أنّ الإعانة ليست هي مطلق إيجاد مقدمة فعل الغير ، وإلّا حرم توليد الفاسق ، والإنسان عادة يعلم أنّ في نسله يحصل مرتكب ذنب فيلزمه أن يجتنب النكاح ، وأيضا حرم بذل الطعام والشراب لمن يعلم أنّه يرتكب الذنب.
بل الإعانة عبارة عن مساعدة الغير بالإتيان بالمقدّمات الفاعلية لفعله دون مطلق المقدمات الشاملة للمادية فضلا عن إيجاد نفس الفاعل أو حفظ حياته.
فتهيئة موضوع فعل الغير والإتيان بالمفعول به لفعله ليس إعانة له على الحرام.