أقول : لا يخفى أنّ ما ذكره ـ قده ـ تعريف له بلحاظ الخاصّة والأثر لا بلحاظ الماهيّة.
وقال في موضع آخر :
«قضيّة إطلاق الصيغة كون الوجوب نفسيا تعيينيا عينيا ، لكون كلّ واحد ممّا يقابلها يكون فيه تقيّد الوجوب وتضيّق دائرته ، فإذا كان في مقام البيان ولم ينصب قرينة عليه فالحكمة تقتضي كونه مطلقا ، وجب هناك شيء آخر أو لا ، أتي بشيء آخر أو لا ، أتى به آخر أو لا.» (١)
وظاهر هذا الكلام أنّ العيني والكفائي بعد اشتراكهما في توجّه الخطاب إلى الجميع يفترقان بأنّ الوجوب في العيني مطلق وفي الكفائي مشروط بعدم إتيان الغير ، فإن أتى به البعض لم يجب على الآخرين ، وإن لم يأت به أحد وجب على الجميع لوجود شرطه في الجميع.
وقال السيّد الأستاذ آية الله العظمى البروجردي ـ طاب ثراه ـ ما محصّله بتوضيح منّا :
«إنّ الفرق بينهما عند القوم يكون في ناحية المكلّف ، بتقريب أنّ المكلّف في العيني هو جميع الأفراد بنحو العموم الاستغراقي ، فيكون كلّ فرد مكلّفا بالاستقلال. وأمّا في الكفائي فعند البعض هو المجموع من حيث المجموع ، وعند آخرين أحد الأفراد.
ويرد على الأوّل أنّ المجموع من حيث المجموع ، أمر اعتباري لا حقيقة له ، فلا يتصوّر تكليفه ، وعلى الثاني أنّ أحد الأفراد إن أريد مفهومه ففيه أنّه غير قابل للتكليف ، وإن أريد به مصداقه أعني الفرد المردد خارجا ففيه أنّه لا خارجية له حتى يتوجّه إليه البعث.
فالتحقيق أن الوجوب له ثلاث إضافات : إضافة إلى الطالب ، وإضافة إلى المطلوب ، وإضافة إلى المطلوب منه. والفرق بين العيني والكفائي ليس في المكلف والمطلوب منه كما يظهر من القوم ، ولا في إطلاق الوجوب واشتراطه كما في الكفاية. بل الفرق بينهما بعد اشتراكهما في كون كلّ فرد مكلّفا مستقلا إنّما يكون في
__________________
(١) كفاية الأصول ، ج ١ ، ص ١١٦.