قال (قده) ما ملخّصه ببيان منّا :
«أنّ هنا جهات من البحث :
الجهة الأولى : الظاهر أنّ مراده بصيرورة فعل الشخص علّة تامّة لتحقق الحرام أن يكون فعله علّة تامّة لوقوع الحرام من الغير ، كما هو مقتضى عنوان البحث والمثال بالمكره.
وفيه : أنّ العلّة التامّة ما لا يكون لغيرها دخل في تحقق المعلول ويكون تمام التأثير مستندا إليها ، وفي المقام لا يعقل تصوّر كون العلّة التامّة لفعل «المكره» (بالفتح) فعل «المكره» (بالكسر) ، إذ المباشر للفعل هو نفس المكره (بالفتح) يوقعه باختياره وإرادته لدفع ما أوعد به. فهو بعد الإكراه باق على اختياره ويتخير طبعا بين إيقاع الفعل المكره عليه وبين تحمّل ما أوعد به فيرجح الفعل المكره عليه باختياره على تحمّل ما أوعد به فيوجده بإرادته لكونه أقلّ المحذورين بنظره. والمكره (بالكسر) لا دخل له إلّا في إيجاد أرضية هذا الترجيح للمباشر. وبعد فهو باق على اختياره واصطفائه لأحد طرفي الفعل.
ويدلّ على بقاء الاختيار مع الإكراه حرمة الإقدام على القتل إن أكره عليه ويعاقب إن قتل ويقتصّ منه.
فالفرق بين المختار الاصطلاحي وبين المكره ليس في وجود الاختيار وعدمه ، بل في أمر مقدّم على الاختيار وهو مبدأ ترجيح أحد الطرفين في النفس ، فإنّه قد يحصل الترجيح بلا اضطرار ولا إكراه بل بحسب الاشتياق إلى الفعل بالطبع لكونه ملائما لميله وهواه ، وقد يحصل بسبب الاضطرار كمن دار أمره بين قطع يده وبين أن يموت فيختار قطع اليد باضطراره حفظا لنفسه ، وقد يحصل بسبب الإكراه ، وفي هذه الصوره أيضا لم يسلب منه الاختيار والإرادة. فالعلّة التامّة لفعل المكره (بالفتح) هو اختياره وإرادته لا إكراه المكره.
بل إرادة الفاعل المباشر أيضا ليست علّة تامّة لوجود الفعل منه ، ضرورة