تسبيبا لإيقاع الجاهل في الحرام ، وفي القسم الرابع حرمة السكوت نفسا مع قطع النظر عن التسبيب.» (١)
أقول : الظاهر أنّ الوجه الأوّل أولى ، إذ الثاني لا يخلو من تكلّف ، مضافا إلى استلزامه لكون الشخص بفعل واحد مرتكبا لمعصيتين : معصية التسبيب إلى الحرام ومعصية السكوت في قباله ، ويشكل الالتزام بذلك.
الجهة الثانية : جعل المصنّف (ره) القسم الثاني أعني تقديم العالم شيئا محرّما للجاهل من قبيل السبب أي المقتضي.
والظاهر عدم صحّة ذلك ، إذ قد عرفت أنّ المقتضي ما منه وجود المعلول كالنار للإحراق مثلا ، ولا يخفى أنّ فعل المباشر معلول لإرادة نفسه بمبادئها النفسانيّة من تصوّر الفعل والتصديق بفائدته والميل والشوق ، وأمّا الشيء المشتاق إليه فموضوع للإرادة وشرط لتحقّقها وفعلها ، والشرط ما له دخل في فاعليّة الفاعل أو قابليّة القابل.
وبالجملة فإعطاء الشيء للفاعل المباشر من شروط فعله ، كسائر الشروط المذكورة في القسم الثالث ، ولا يصحّ عدّه سببا له ، وبذلك صرّح المحقّق الإيرواني (ره) في حاشيته ، قال : «لم يتّضح لي الفرق بين هذا ولا حقه بقسميه حتى يصحّ عدّ هذا قسما برأسه وتسميته بالسبب وذاك بالشرط ، فإنّ تقديم الطعام أيضا قد يكون من قبيل إيجاد الداعي على الأكل ، وقد يكون من قبيل التمكين منه مع وجود الداعي كما في بيع العنب لمن يعمله خمرا.» (٢)
الجهة الثالثة : لا يخفى أنّ تقسيم المصنّف في المقام ـ مضافا إلى كون بعض تعبيراته على خلاف المصطلحات العلميّة كما مرّ ـ لا يفيد في المقام ، إذ التقسيم يجب أن يكون بلحاظ إختلاف الأقسام في الأحكام وكون كلّ قسم موضوعا لحكم خاصّ ، والأقسام الأربعة في كلام المصنّف ليست كذلك.
وقد صرّح بهذه النكتة المحقّق الإيرواني ومصباح الفقاهة. (٣)
__________________
(١) مصباح الفقاهة ، ج ١ ، ص ١٢٣.
(٢) حاشية المكاسب للمحقّق الإيرواني ، ص ٩.
(٣) راجع نفس المصدر السابق والصفحة ؛ ومصباح الفقاهة ، ج ١ ، ص ١٢١.