.................................................................................................
______________________________________________________
مخيف. ولما رأيت الزمان لا يزداد إقباله إلّا إدبارا ، وعساكر الرفاهيّة أبت إلّا انكسارا ، ورأيت الأجل في اقتراب ، والعمر في خراب. مع إبرام الإلحاح والتقاضي ، واشتغال الذمّة بالنذر الماضي ، في ثبت ما سمحت به القريحة الفاترة ، وإيراد ما وعته الفطنة القاصرة ، لتعذّر ما وراء ذلك من الإمعان ، ومراعاة التحسين والإتقان ، لما ذكرنا من تشويش (بؤس) الزمان ، ووصفنا من ترادف الأحزان ، قصدا للتخلّص من عهدة النذر اللازم ، وفرارا من مطالبة اللجوج (١) العازم ، وخوفا من لزوم العقاب دون التنويه (٢) بالكتاب. مستعينا بالله ومتوكّلا عليه ، فليس القوّة إلّا به ، ولا المرجع إلّا إليه.
فمن وقف فيه على تقصير في إشارة ، أو عيّ في عبارة ، أو خلل في إيراد ، أو نوع من فساد ، فأنا أسأله أولا التثبّت في مراجعة الفكر والاعتبار ، وتصفّح الكتب والأخبار ، قبل التسرّع بالرّد والاهذار ، والنظر بعين الإزراء والاحتقار ، فانّ ذلك من أخلاق اللئام وشعار الجهّال الطغام (٣).
فان وجد له شاهدا يعضده ، أو نظيرا يؤيّده وإلّا نزّله بذهنه السليم ، ولو على التأويل السقيم ، جاعلا سمعه تلقاء قوله تعالى : إذ أعلن في كتابه تنبيها وتبصيرا : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (٤).
وإن لم يجد له محملا قط وكان في غاية السقط وسّعه عذرا ، فإن أخا الفضائل يعذر.
__________________
(١) اللاج واللجوج : الشديد اللجاجة ، وفي بعض النسخ (اللحوح) ، بالحاء المهملة.
(٢) ناهت نفسي عن الشيء تنوه وتناه نوها : انتهت ، لسان العرب : ج ١٣ ، ص ٥٥١ ، وفي المنجد : ص ١١٠٠ ، نوهت بالحديث أي : أنشدت به وأظهرته.
(٣) الطغام : أوغاد الناس ، للواحد والجمع. والعامة تقول أوباش. رذال الطير ـ المنجد ص ٦٦١
(٤) سورة النساء : ٨٢.