ويمارس بعض الرجال ، دون أن يخجل من ذلك بلاط الملك ، مهنة «التباغين» (نسبة الى التبغ). فلديهم نساء ساقطات في بيوتهم وخمر للبيع ويستطيع أي شخص أن يستمتع بذلك بكل طمأنينة (١٥٨).
وقد أحصي في فاس ستمائة نبع ، وهي عيون طبيعية أحيطت بسياجات من حجر مع أبواب تحفظها مغلقة. وتتوزع ماء هذه الينابيع في مختلف الحاجات ويساق إلى البيوت والى الجوامع والمدارس والفنادق. وهذا الماء مرغوب فيه اكثر من ماء النهر ، لأن ماء هذا النهر ينقطع احيانا ، ولا سيما في الصيف. أضف إلى ذلك انه عند ما يقتضي الأمر تنظيف القنوات يجب عندئذ تحويل مجرى النهر خارج المدينة. ولهذا اعتاد سائر الناس استعمال ماء العين. وعلى الرغم من توافر ماء النهر في بيوت الوجهاء فهم يجلبون الى منازلهم مياه العيون لأنها أكثر برودة وعذوبة ، ولكنهم يفعلون العكس في الشتاء. وتقع اكثرية هذه الينابيع في غرب المدينة وفي جنوبها ، لأن كل القسم الواقع في اتجاه الشمال هو في الجبل المؤلف من صخر كلسي. وهنا توجد جباب عميقة يحفظ فيها الحب لمدة بضع سنين ويعيش سكان هذه البقعة ، وهم من فقراء الناس ، من تأجير هذه العنابر ، وتقدر الأجرة
__________________
(١٥٨) من غير المحتمل انه يقصد بذلك امكنة تدخين التبغ. ولكن المؤلف استعار عبارة التبغ للاشارة الى مكان كان يدخل الناس فيه غالبا الكيف وهو الحشيش ، لا سيما وان التبغ لم يكن بالتأكيد قد شاع استعماله في المغرب في أيام الوزان. والتبغ الذي استوردته أوربا من أمريكا لم ينتشر تدخينه إلا بين أوائل الأوربيين الذين عاشوا في أمريكا ، وشاع في أوربا في النصف الثاني من القرن السادس عشر. أما بالنسبة للمغرب فلدينا نص يشير الى وصوله للمغرب ، وهو بقلم الأوفراني ، في كتابه «تاريخ الاسرة السعدية في المغرب» وذلك إذ يقول : «في شهر رمضان ١٠٠٧ ه / آذار / نيسان (مارس ـ ابريل) ١٥٩٩ م ، وصل الفيل الى فاس ، وقد جيء به من السودان سنة ١٠٠١ ه ، أو ٨ تشرين الأول (اكتوبر) ١٥٩٢ ـ ٢٧ أيلول (سبتمبر) ١٥٩٣ م ، ويدعى بعض المؤلفين انه على أثر وصول هذا الحيوان دخل استعمال هذا النبات الخبيث ، المسمى التبغ الى المغرب ، فالزنوج الذين كانوا يقودون الفيل جلبوا معهم التبغ الذي كانوا يتعاطون تدخينه ويدعون ان استعماله يجلب لهم الكثير من الفوائد. وشاعت عادة التدخين التي أدخلوها اولا في منطقة الدرعة ثم في مملكة مراكش واخيرا في سائر الغرب». ومن ناحية اخرى يقول محمود كاتي في كتابه «تاريخ الفتاش» elFettach (لعلها الفتح) (ترجمةM.Delafosse et O.Houdas باريس ـ الناشرLeroux سنة ١٩١٣ ص ٣٢٠ : «في عهد القائد المنصور أي في عام ١٥٩٤ ـ ١٥٩٦ م» ظهر التبغ في السودان حيث انتشرت عادة تعاطيه ومن المؤكد أن التبغ جاء الى المغرب عن طريق اسبانيا وعرفه سكان تومبكوتو عن طريق المغاربة ، من نصارى اعتنقوا الاسلام وسواهم. والتاريخ المتأخر الذي يشير إليه الافراني وهو ١٥٩٩ والذي لا يعتمد إلا على رأي غير مؤكد ، ويتناقض مع رأي محمود الكاتي ، يستبعد كذلك الفكرة القائلة بأن التبغ كان شائعا في المغرب في العصر الذي كان فيه الحسن الوزان.
(ولد الحسن الوزان حوالي سنة ١٤٨٩ أي قبل التاريخين اللذين يذكرهما الأوفراني ومحمود الكاتي بأكثر من مائة سنة) (المراجع).