إمّا أنّ «في» الأولى ليست للظّرفية ، بل للمعيّة ، كأنّه قيل : ادخلوا مع أمم أي : مصاحبين لهم في الدّخول ، وقد تأتي «في» بمعنى «مع» كقوله تعالى : (وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ) [الأحقاف : ١٦].
وقول الشاعر : [الطويل]
٢٤٦٢ ـ شموس ودود في حياء وعفّة |
|
رخيمة رجع الصّوت طيّبة النّشر (١) |
وإمّا بأن «في النّار» بدل من قوله «في أمم» وهو بدل اشتمال كقوله : (أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ) [البروج : ٤ ، ٥].
فإنّ النّار بدل من الأخدود ، كذلك «في النّار» بدل من «أمم» بإعادة العامل بدل اشتمال ، وتكون الظرفية في [«في»] الأولى مجازا ؛ لأنّ الأمم ليسوا ظروفا لهم حقيقة ، وإنّما المعنى : ادخلوا في جملة أمم وغمارهم.
ويجوز أن تتعلّق «في أمم» بمحذوف على أنّه حال أي : كائنين في جملة أمم.
و «في النّار» متعلّق ب «خلت» أي : تسبقكم في النّار.
ويجوز أن تتعلّق بمحذوف على أنّه صفة ل «أمم» ، فتكون «أمم» قد وصفت بثلاثة أوصاف :
الأولى : الجملة الفعليّة ، وهي قوله «قد خلت».
والثاني : الجارّ والمجرور ، وهو قوله : (مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ).
الثالث : قوله : «في النّار» ، والتقدير : في أمم خالية من قبلكم كائنة من الجنّ والإنس ، ومستقرّة في النّار.
ويجوز أن تتعلّق «في النّار» بمحذوف أيضا ، لا على الوجه المذكور ، بل على كونه حالا من «أمم» ، وجاز ذلك وإن كانت نكرة لتخصّصها بالوصفين المشار إليهما.
ويجوز أن يكون حالا من الضّمير في «خلت» ؛ إذ هو ضمير الأمم ، وقدّمت الجنّ على الإنس ؛ لأنّهم الأصل في الإغواء.
قوله : «كلّما دخلت» تقدّم نظيرها ، وهذه الجملة يحتمل أن تكون صفة ل «أمم» أيضا ، والعائد محذوف أي : كلما دخلت أمة منهم أي : من الأمم المتقدّمة لعنت أختها ، والمعنى: أن أهل النّار يلعن بعضهم بعضا ، ويتبرّأ بعضهم من بعض كما قال تعالى : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف : ٦٧]. والمراد بقوله أختها أي : في الدّين.
قوله : «حتّى» هذه غاية لما قبلها ، والمعنى : أنّهم يدخلون فوجا فوجا ، لاعنا بعضهم لبعض إلى انتهاء تداركهم فيها.
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٦٦.