تكون للتّبليغ ، لأنّ خطابهم معهم بدليل قوله : (فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ).
قوله : (رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا) يعني : أنّ الأتباع يقولون : إنّ المتقدّمين أضلّونا ، يعني : أنّ القادة أضلونا عن الهدى والدين فأتهم عذابا ضعفا من النّار.
قال أبو عبيدة «الضّعف : مثل الشّيء مرة واحدة».
قال الأزهريّ : ما قاله أبو عبيدة هو ما يستعمله النّاس في مجاز كلامهم ، وقد قال الشّافعيّ قريبا منه فقال في رجل أوصى : «أعطوه ضعف ما يصيب ولدي» قال : «يعطى مثله مرتين».
قال الأزهريّ (١) : «الوصايا يستعمل فيها العرف ، وما يتفاهمه النّاس ، وأما كتاب الله فهو عربيّ مبين ، ويردّ تفسيره إلى لغة العرب ، وموضوع كلامها الذي هو صنعة ألسنتها.
والضّعف في كلام العرب المثل إلى ما زاد ، ولا يقتصر به على مثلين ، بل تقول : هذا ضعفه أي مثلاه ، وثلاثة أمثاله ، لأنّ الضّعف في الأصل زيادة غير محصورة ، ألا ترى إلى قوله الله تعالى : (فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ) [سبأ : ٣٧] لم يرد به مثلا ولا مثلين ، وأولى الأشياء به أن يجعل عشرة أمثاله كقوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [الأنعام : ١٦٠] فأقلّ الضّعف محصور وهو المثل وأكثره غير محصور».
ومثل هذه المقالة قال الزّجّاج أيضا (٢) فإنّه قال : أي عذابا مضاعفا ؛ لأنّ الضعف في كلام العرب على ضربين :
أحدهما : المثل ، والآخر : أن يكون في معنى تضعيف الشيء أي زيادته إلى ما لا يتناهى ، وقد تقدّم طرف من هذا في البقرة.
وأما قول الشّافعيّ في «الوصيّة» : إنّه المثل ، فلأن التركة متعلقة بحقوق الورثة ، إلا أنّا لأجل الوصيّة صرفنا طائفة منها إلى الموصى له ، والقدر المتيقن في الوصيّة هو المثل ، والباقي مشكوك فيه فيأخذ المتيقّن ويطرح المشكوك فيه فلهذا السّبب حملنا الضّعف في الوصيّة على المثلين.
قوله : «ضعفا» صفة ل «عذابا» ، و «من النّار» يجوز أن يكون صفة ل «عذابا» ، وأن يكون صفة ل «ضعفا» ، ويجوز أن يكون «ضعفا» بدلا من «عذابا».
قوله : «لكلّ» أي : لكلّ فريق من الأخرى ، والأولى أو القادة والأتباع.
قوله : (وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ) قراءة العامّة بتاء الخطاب : إمّا خطابا للسّائلين ، وإمّا خطابا
__________________
(١) ينظر تهذيب اللغة للأزهري ١٠ / ٤٨٠.
(٢) ينظر : معاني القرآن للزجاج ٢ / ٣٧٢.