وروى عنه غيره «أدركوا» بفتح الهمزة مقطوعة ، وسكون الدّال وفتح الرّاء ، أي : أدرك بعضهم بعضا.
وقال أبو البقاء (١) : وقرىء (٢) : «إذا ادّاركوا» بألف واحدة ساكنة بعدها دال مشدّدة ، وهو جمع بين ساكنين ، وجاز في المنفصل كما جاز في المتّصل ، وقد قال بعضهم : «اثنا عشر» بإثبات الألف وسكون العين ، يعني بالمتصل نحو : «الضّالين» وجانّ ، ومعنى المنفصل أنّ ألف «إذا» من كلمة ، والسّاكن الثاني من كلمة أخرى.
و «ادّاركوا» بمعنى تلاحقوا ، وتقدّم تفسير هذه المادة [النساء : ٧٨].
و «جميعا» حال من فاعل «ادّاركوا».
قوله : (أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ) يحتمل أن تكون فعلى أنثى أفعل الذي للمفاضلة ، والمعنى على هذا كما قال الزمخشريّ (٣) : «أخراهم منزلة ، وهم الأتباع [والسّفلة] ، لأولاهم منزلة وهم القادة والرؤساء».
ويحتمل أن تكون «أخرى» بمعنى آخرة تأنيث آخر مقابل الأوّل ، لا تأنيث «آخر» الذي للمفاضلة كقوله : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [فاطر : ١٨].
والفرق بين أخرى بمعنى آخرة ، وبين أخرى تأنيث آخر بزنة أفعل للتفضيل ، أن التي للتفضيل لا تدلّ على الانتهاء ، كما لا يدلّ عليه مذكّرها ، ولذلك يعطف أمثالها عليها في نوع واحد تقول : مررت بامرأة وأخرى وأخرى كما تقول : مررت برجل وآخر وآخر ، وهذه تدلّ على الانتهاء ، كما يدلّ مذكّرها ، ولذلك لا يعطف أمثالها عليها ، ولأنّ الأولى تفيد إفادة «غير» ، وهذه لا تفيد إفادة «غير».
والظّاهر في هذه الآية الكريمة أنّهما ليستا للتّفضيل ، بل لما ذكرنا.
قال ابن عباس ومقاتل : «أخراهم دخولا في النار لأولاهم دخولا فيها» (٤).
واللام في «لأولاهم» للتّعليل أي : لأجل ، ولا يجوز أن تكون التي للتّبليغ كهي في قولك: قلت لزيد افعل.
قال الزمخشريّ (٥) : «لأنّ خطابهم مع الله لا معهم» ، وقد بسط القول قبله في ذلك الزّجّاج (٦) فقال : «والمعنى : وقالت أخراهم : يا ربّنا هؤلاء أضلّونا ، لأولاهم» فذكر نحوه.
قال شهاب الدّين : وعلى هذا فاللّام الثّانية في قوله : (أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ) يجوز أن
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢٧٣.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢٧٣.
(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ١٠٣.
(٤) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٤ / ٦١) عن مقاتل.
(٥) ينظر : الكشاف ٢ / ١٠٣.
(٦) ينظر : معاني القرآن للزجاج ٢ / ٣٧١.