فإن قيل : هذه الوجوه باطلة لأنه تعالى قال في صفة أصحاب الأعراف : «لم يدخلوها وهم يطمعون في دخولها» ، وهذا الوصف لا يليق بالملائكة والأنبياء والشّهداء.
فالجواب : قالوا : لا يبعد أن يقال : إنّه تعالى بيّن من صفة أهل الأعراف أن دخولهم الجنة يتأخر ، والسّبب فيه أنّه تعالى ميّزهم عن أهل الجنّة وأهل النّار ، وأجلسهم على تلك الأماكن المرتفعة ليشاهدوا أحوال أهل الجنّة في الجنّة ، وأحوال أهل النّار في النّار ، وأهل النّار في النّار ، فحينئذ ينقلهم الله إلى أماكنهم العالية في الجنّة. فثبت أنّ كونهم غير داخلين في الجنّة لا يمنع من كمال شرفهم وعلو درجتهم.
وأمّا قوله : «وهم يطمعون» والطمع هنا يحتمل أن يكون على بابه أو يكون بمعنى اليقين قال تعالى حكاية عن إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) [الشعراء : ٨٢].
وذلك الطمع طمع يقين ، وقال الشّاعر : [المتقارب]
٢٤٧٣ ـ وإنّي لأطمع أنّ الإله |
|
قدير بحسن يقيني يقيني (١) |
القول الثاني : أن أصحاب الأعراف أقوام يكونون في الدرجة النازلة](٢) من أهل الثواب وهؤلاء ذكروا وجوها :
أحدها : أنّهم أقوام تساوت حسناتهم وسيّئاتهم ، فأوقفهم الله تعالى على الأعراف ، لكونها درجة متوسطة بين الجنّة والنار ، ثم يدخلهم الله الجنّة بفضله ورحمته ، وهذا قول حذيفة وابن مسعود ، واختيار الفرّاء ، وطعن الجبّائيّ والقاضي في هذا القول (٣) ، واحتجّوا على فساده من وجهين :
الأوّل : قالوا : إن قوله تعالى : (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) يدلّ على أنّ كلّ من دخل الجنة فلا بدّ وأن يكون مستحقا لدخولها ، وذلك يمنع من القول بوجود أقوام لا يستحقون الجنّة ولا النّار ، ثم إنّهم يدخلون الجنة بمحض التفضل ، لا بسبب الاستحقاق.
الثاني : أنّ كونهم من أصحاب الأعراف يدلّ على أنّه تعالى ميّزهم من جميع أهل القيامة ، ثمّ أجلسهم على الأماكن العالية [وقيل هذا التشريف لا يليق إلّا بالأشراف وأما الذين تساوت حسناتهم وسيئاتهم فدرجتهم قاصرة ، فلا يليق بهم ذلك التشريف](٤).
والجواب عن الأوّل : أنّه يحتمل أن يكون قوله : (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها)
__________________
(١) البيت ينظر : البحر ٤ / ٣٠٥ ، الدر المصون ٣ / ٢٧٥.
(٢) سقط من ب.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٧٣.
(٤) سقط من ب.