ذات الجسم نافذة فيه وسارية ، بل المكان عبارة عن السّطح الباطن من الجسم الحاوي المماسّ للسّطح الظّاهر من الجسم المحويّ ، وهذا المعنى محال بالاتّفاق في حقّ الله ـ تعالى ـ فسقط هذا السّؤال ، وبقيّة البراهين العقليّة مذكورة في تفسير ابن الخطيب (١).
وأمّا الدّلائل السّمعيّة فمنها قوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص : ١] فوصفه بكونه أحدا ، والأحد مبالغة في كونه واحدا والذي يمتلىء منه العرش ، ويفضل على العرش يكون مركّبا من أجزاء كثيرة جدا فوق أجزاء العرش ، وذلك ينافي كونه أحدا.
وقال بعض الكرّاميّة عند هذا الإلزام : إنّه تعالى ذات واحدة ، [ومع كونه ذاتا واحدة حصلت في كلّ هذه الأحياز دفعة واحدة قالوا : فلأجل أنّه تعالى حصل](٢) دفعة واحدة في جميع الأحياز امتلأ العرش منه ، فيقال لهم : حاصل هذا الكلام يرجع إلى أنّه يجوز حصول الذّات الشّاغلة للحيّز والجهة في أحياز كثيرة دفعة واحدة ، والعقلاء اتّفقوا على أنّ العلم بفساد ذلك من أجلّ العلوم الضروريّة أيضا ، وأيضا فإن جوّزتم ذلك فلم لا تجوّزون أن يقال : جميع العالم من العرش إلى ما تحت الثّرى جوهر واحد ، وموجود واحد ، إلا أنّ ذلك الجزء الذي لا يتجزّأ حصل في جملة هذه الأحياز ، فيظنّ أنّها أشياء كثيرة ، ومعلوم أنّ من جوّزه ، فقد التزم منكرا من القول عظيما (٣).
فإن قالوا : إنّما عرفنا هاهنا حصول التّغاير بين هذه الذّوات ، لأنّ بعضها يفنى مع بقاء الباقي ، وذلك يوجب التّغاير ، وأيضا فنرى بعضها متحرّك وبعضها ساكن ، والمتحرّك غير السّاكن ؛ فوجب القول بالتّغاير ، وهذه المعاني غير حاصلة في ذات الله ـ تعالى ـ فظهر الفرق ، فنقول : أمّا قولكم : بأنّا نشاهد أنّ هذا الجزء يبقى مع أنّه يفنى ذلك الجزء الآخر ، وذلك يوجب التّغاير ، فلا نسلم أنّه فني شيء من الأجزاء ، بل نقول : لم لا يجوز أن يقال : إنّ جميع أجزاء العالم جزء واحد فقط ، ثم إنّه حصل هاهنا وهناك.
وأيضا جعل موصوفا بالسّواد والبياض ، وجميع الألوان والطّعوم ، فالذي يفنى إنّما هو حصوله هناك ، فأمّا أن يقال : إنّه فني في نفسه ، فهذا غير مسلم.
وأمّا قولكم : نرى بعض الأجسام متحرّكا ، وبعضها ساكنا ، وذلك يوجب التّغاير ؛ لأنّ الحركة والسّكون لا يجتمعان فنقول : إنا حكمنا بأنّ الحركة والسّكون لا يجتمعان ، لاعتقادنا أنّ الجسم الواحد لا يحصل دفعة واحدة في حيزين ، فإذا رأينا أنّ السّاكن بقي هاهنا ، وأن المتحرّك ليس هاهنا ، قضينا أنّ المتحرّك غير السّاكن.
وأمّا بتقدير أن يجوز كون الذّات الواحدة حاصلة في حيّزين دفعة واحدة ، فلم يمتنع
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٨٥ ـ ٩٢.
(٢) سقط من أ.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٩٢.