هذه رواية الداني عنه ، وروى ابن جنّي (١) عنه نصب «اللّيل» ورفع «النّهار».
قال ابن عطيّة (٢) : «ونقل ابن جنّي أثبت» وفيه نظر ، من حيث إنّ الدّاني أغنى من أبي الفتح بهذه الصّناعة ، وإن كان دونه في العلم بطبقات ، ويؤيد رواية الدّاني أيضا أنّها موافقة لقراءة العامّة من حيث المعنى ، وذلك أنّه جعل اللّيل فاعلا لفظا ومعنى ، والنّهار مفعولا لفظا ومعنى ، وفي قراءة الجماعة اللّيل فاعل معنى ، والنّهار مفعول لفظا ومعنى ، وذلك أنّ المفعولين في هذا الباب متى صلح أن يكون كلّ منهما فاعلا ومفعولا في المعنى ؛ وجب تقديم الفاعل معنى ؛ لئلا يلتبس نحو : «أعطيت زيدا عمرا» فإن لم يلتبس نحو : «أعطيت زيدا درهما ، وكسوت عمرا جبّة» جاز ، وهذا كما في الفاعل والمفعول الصّريحين نحو «ضرب موسى عيسى» ، و «ضرب زيد عمرا» ، وهذه الآية الكريمة من باب «أعطيت زيدا عمرا» ؛ لأنّ كلّا من اللّيل والنّهار يصلح أن يكون غاشيا مغشيا ؛ فوجب جعل «اللّيل» في قراءة الجماعة هو الفاعل المعنوي ، و «النّهار» هو المفعول من غير عكس ، وقراءة الدّاني موافقة لهذه ؛ لأنّها المصرّحة بفاعليّة اللّيل ، وقراءة ابن جني مخالفة لها ، وموافقة الجماعة أولى.
قال شهاب الدّين (٣) : «وقد روى الزّمخشريّ (٤) قراءة حميد كما رواها أبو الفتح فإنّه قال : «يغشّي» بالتّشديد ، أي : يلحق اللّيل بالنّهار ، والنّهار باللّيل ، يحتملهما جميعا».
والدّليل على الثاني قراءة حميد بن قيس «يغشى» بفتح الياء [و] نصب اللّيل ، ورفع النّهار. انتهى.
وفيما قاله الزّمخشريّ نظر ؛ لما ذكرنا من أنّ الآية الكريمة ممّا يجب فيها تقديم الفاعل المعنوي ، وكأن أبا القاسم تبع أبا الفتح في ذلك ، ولم يلتفت إلى هذه القاعدة المذكورة سهوا.
قوله : «يطلبه حثيثا» حال من الليل ؛ لأنّه هو المحدّث عنه أي : يغشي النّهار طالبا له ، ويجوز أن يكون من النهار أي مطلوبا وفي الجملة ذكر كلّ منهما.
و «حثيثا» يحتمل أن يكون نعت مصدر محذوف أي : طلبا حثيثا وأن يكون حالا من فاعل «يطلبه» أي : حاثّا ، أو من مفعوله أي : محثوثا.
والحثّ : الإعجال والسّرعة ، والحمل على فعل شيء كالحضّ عليه فالحثّ والحضّ أخوان ، يقال : حثثت فلانا فاحتثّ فهو حثيث ومحثوث.
قال : [المتقارب]
__________________
(١) ينظر : المحتسب لابن جني ١ / ٢٥٣.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٤٠٩.
(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٨١.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ١٠٩.