المخلوقات على ما شاء وأراد فكان قوله ثم استوى على العرش](١) ، أي بعد أن خلقهما استوى على عرش الملك والجلال (٢).
قال القفّال (٣) : والدّليل على أنّ هذا هو المراد قوله في سورة يونس : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) [الآية : ٣].
فقوله : «يدبّر» جرى مجرى التّفسير لقوله : (اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ). وقال (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً ، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ).
وهذا يدلّ على أنّ قوله : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) إشارة إلى ما ذكرناه.
فإن قيل : فإذا حملتم قوله : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) على أنّ المراد إذا استوى على الملك ؛ وجب أن يقال : الله لم يكن مستويا قبل خلق السّموات والأرض.
قلنا : إنّه تعالى كان قبل خلق العالم قادرا على تخليقها وتكوينها ، لا أنّه كان مكوّنا وموجدا لها بأعيانها ؛ لأنّ إحياء زيد ، وإماتة عمرو ، وإطعام هذا ، وإرواء ذلك ، لا يحصل إلا عند حصول هذه الأحوال ، فإذا فسّرنا العرش بالملك ، والملك بهذه الأحوال صحّ أن يقال : إنّه تعالى إنّما استوى على ملكه بعد خلق السّموات والأرض ؛ بمعنى أنّه إنّما ظهر تصرفه في هذه الأشياء وتدبيره لها ، بعد خلق السّموات والأرض (٤).
والقول الثاني : أنّ استوى بمعنى استولى ، كما نذكره في «سورة طه» إن شاء الله تعالى.
واعلم أنّه تعالى ذكر قوله : (اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) في سبع سور : هاهنا ، ويونس [٣] ، والرعد [٢] ، وطه [٥] ، والفرقان [٥٩] ، والسجدة [٤] ، والحديد [٥٧].
قال ابن الخطيب (٥) : «وفي كلّ موضع ذكرنا فوائد كثيرة ، فمن ضمّ تلك الفوائد بعضها إلى بعض ، بلغت مبلغا كثيرا ، وافيا بإزالة شبهة التّشبيه عن القلب».
قوله : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) قرأ نافع (٦) وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحفص هنا وفي سورة الرعد : [٣] «يغشي» مخففّا من أغشى على أفعل ، والباقون بالتّشديد من غشّى على فعّل ، فالهمزة والتّضعيف كلاهما للتّعدية أكسبا الفعل مفعولا ثانيا ؛ لأنّه في الأصل متعد لواحد ، فصار الفاعل مفعولا.
وقرأ حميد (٧) بن قيس : «يغشى» بفتح الياء والشين ، «اللّيل» رفعا ، «النهار» نصبا ،
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٩٥.
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٩٥.
(٥) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٩٦.
(٦) ينظر : السبعة ٢٨٢ ، الحجة ٤ / ٢٧ ، حجة القراءات ص (٢٨٤) ، إعراب القراءات (١ / ٢٨٥ ، العنوان ص (٩٥) ، شرح الطيبة ٤ / ٢٩٧ ، شرح الشعلة ص (٣٩٠) ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٥١.
(٧) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٤٠٩ ، والكشاف ٢ / ١٠٩ ، والبحر المحيط ٤ / ٣١١ ، والدر المصون ٣ / ٢٨١.