والثاني : أنّ العامل فيها مقدّر تقديره : «واذكر رسالة لوط إذ قال» ف «إذ» منصوب ب «رسالة». قاله أبو البقاء (١) ، والبدل حينئذ بدل اشتمال.
وصرّف نوح ولوط لخفّته ، فإنّه ساكن الوسط ، مركب من ثلاثة أحرف.
قال الزّجّاج (٢) : زعم بعض النّحويين يعني الفرّاء : أنّ لوطا يجوز أن يكون مشتقا من لطت الحوض إذا ملسته بالطين ، وهذا غلط ؛ لأنّ الأسماء الأعجميّة لا تشتق كإسحاق ، فلا يقال : إنه من السّحق وهو البعد ؛ وإنّما صرف لخفته ؛ لأنّه على ثلاثة أحرف ساكن الوسط ، فأمّا لطت الحوض ، وهذا أليط فصحيح ، ولكن الاسم أعجميّ كإبراهيم وإسحاق.
وهو : لوط بن هاران بن تارخ ابن أخي إبراهيم ، كان في أرض بابل مع عمه إبراهيم ، فهاجر إلى الشّام ، فنزل إبراهيم إلى فلسطين ، وأنزل لوطا الأردن ، فأرسله الله عزوجل إلى أهل سدوم.
قوله : (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) أتفعلون السيئة المتناهية في القبح ، وذكرها باسم الفاحشة ليبين أنّها زنا (٣) لقوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً) [الإسراء : ٣٢].
(ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) في هذه الجملة وجهان :
أحدهما : أنّها مستأنفة لا محلّ لها من الإعراب ، وعلى الاستئناف يحتمل أن تكون جوابا لسؤال وألا تكون جوابا.
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢٧٩.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٧ / ١٥٥.
(٣) يرجم اللائط والملوط به متى كانا مكلفين ، ويشترط في الرجم باللواطة بالنسبة للفاعل تكليفه ، وبالنسبة للمفعول تكليفه ، وتكليف الفاعل.
ومن هذا يستنتج أن الفاعل لو كان مكلفا فقط لم يرجم المفعول ، وأن الفاعل لو كان غير مكلف لم يرجم واحد منهما كما لو كانا غير مكلفين ، ولما كانت اللواطة من فظائع الأمور ، وكان المرتكب لها مخالفا للسنن الإلهية ، وقد عاقب الله قوم لوط بأشد أنواع العذاب قال تعالى في حقهم : (فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) عن ابن عباس قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» رواه الخمسة إلا النسائي.
حكم الإمام مالك في اللواطة بالرجم (وهو مذهب الشعبي ، والزهري ومالك ، وأحمد ، والشافعي في قول له) ، وذهب جمع أنه يحرق بالنار منهم أبو بكر ، وعبد الله بن الزبير ، وهشام بن عبد الله.
وذهب سعيد بن المسيب ، وعطاء بن أبي رباح ، والحسن ، والثوري ، والأوزاعي والإمام يحيى ، والشافعي في قول له أنه كالزنا.
وذهب أبو حنيفة ، والشافعي في قول له ، والمرتضى ، والمؤيد بالله إلى أنه يعزّر اللوطي فقط.
ولم يشترط ما اشترطه في الرجم من الإحصان ، والإسلام ، والحرية واختلفوا في الفاعل المكره فقيل يرجم بناء على المشهور من أن الانتشار اختيار وقيل لا يرجم لأن الإكراه شبهة تدرأ الحد.
أما المفعول به المكره فينبغي أن لا يرجم قولا واحدا.
إذا كان المرتكب لهذه الجريمة ممن لم يبلغوا الحلم ، وقد كان مميزا فعقابه التأديب بما يراه الإمام زاجرا.