قال الزّمخشريّ (١) : «فإن قلت : ما موقع هذه الجملة»؟
قلت : لا محلّ لها لأنّها مستأنفة ، أنكر عليهم أوّلا بقوله : (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) ثمّ وبخهم عليها فقال : أنتم أوّل من عملها. أو تكون جوابا لسؤال مقدّر ، كأنّهم قالوا : لم لا تأتيها؟
فقال : «ما سبقكم بها أحد ؛ فلا تفعلوا ما لم تسبقوا به» وعلى هذا فتكون صفة للفاحشة ، كقوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) [يس : ٣٧] وقال الشّاعر : [الكامل]
٢٥١١ ـ ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني |
|
.......... (٢) |
والباء في «بها» فيها وجهان :
أظهرهما أنها حالية ، أي : ما سبقكم أحد مصاحبا لها أي : ملتبسا بها.
والثاني : أنّها للتعدية.
قال الزمخشريّ (٣) : الباء للتعدية من قولك : «سبقته بالكرة» إذا ضربتها قبله. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : «سبقك بها عكّاشة» (٤).
قال أبو حيان : «والتّعدية هنا قلقة جدا ؛ لأنّ «الباء» المعدّية في الفعل المتعدي لواحد [هي] بجعل المفعول الأوّل يفعل ذلك الفعل بما دخلت عليه الباء فهي كالهمزة ، وبيان ذلك أنّك إذا قلت : «صككت الحجر بالحجر» كان معناه : أصككت الحجر بالحجر أي : جعلت الحجر يصكّ الحجر ، فكذلك : دفعت زيدا بعمرو عن خالد ، معناه : أدفعت زيدا عمرا عن خالد أي جعلت زيدا يدفع عمرا عن خالد فللمفعول الأوّل تأثير في الثّاني ولا يصحّ هذا المعنى هنا ؛ إذ لا يصحّ أن يقدّر : أسبقت زيدا الكرة أي : جعلت زيدا يسبق الكرّة إلا بمجاز متكلّف ، وهو أن تجعل ضربك للكرة أول جعل ضربة قد سبقها أي : تقدّمها في الزمان فلم يجتمعا».
و «من» الأولى لتأكيد استغراق النفي والثانية للتبعيض.
والوجه الثاني من وجهي الجملة : أنّها حال ، وفي صاحبها وجهان :
أحدهما : هو الفاعل أي : أتأتون مبتدئين بها.
والثاني : هو المفعول أي : أتأتونها مبتدأ بها غير مسبوقة من غيركم.
قال عمرو بن دينار : «ما يراد ذكر على ذكر في الدّنيا حتى كان قوم لوط».
قوله : «أإنّكم» قرأ نافع (٥) وحفص عن عاصم : «إنكم» على الخبر المستأنف ، وهو بيان لتلك الفاحشة. وقرأ الباقون بالاستفهام المقتضي للتّوبيخ ، فقرأ ابن كثير بهمزة غير
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ١٢٥.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ١٢٥.
(٤) تقدم.
(٥) ينظر : السبعة ٢٨٥ ، ٢٨٦ ، والحجة ٤ / ٤٣ ، ٤٤ ، وحجة القراءات ٢٨٧ ، وإعراب القراءات ١ / ١٩٢ ، والعنوان ٩٦ ، وشرح شعلة ٣٩٢ ، وإتحاف ٢ / ٥٤.