من الصّحابة رضي الله عنهم أجمعين أن موسى عليهالسلام وأمير السحرة التقيا فقال موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ : أرأيتك إن غلبتك أن تؤمن بي وتشهد أنّ ما جئت به الحقّ؟ فقال الساحر : والله لئن غلبتني لأومننّ بك ، وفرعون ينظر إليهما ويسمع قولهما ، فهذا قول فرعون «إنّ هذا لمكر مكرتموه في المدينة» (١).
قال القاضي : وقوله (قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) دليل على مناقضة فرعون في ادّعاء الألوهية ، لأنّه لو كان إلها لما جاز أن يأذن لهم في أن يؤمنوا به مع أنّه يدعوهم إلى إلهيّة غيره ، وذلك من خذلان الله الذي يظهر على المبطلين.
قوله : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) حذف مفعول العلم ، للعلم به ، أي : تعلمون ما يحلّ بكم ، وهذا وعيد مجمل ، ثمّ فسّر هذا المبهم بقوله : «لأقطّعنّ» جاء به في جملة قسميّة ؛ تأكيدا لما يفعله.
وقرأ مجاهد بن جبر (٢) ، وحميد المكي ، وابن محيصن :
«لأقطعنّ» مخففا من «قطع» الثلاثي ، وكذا لأصلبنّكم من «صلب» الثلاثي.
روي بضم اللام وكسرها ، وهما لغتان في المضارع ، يقال : صلبه يصلبه ويصلبه.
قوله : «من خلاف» يحتمل أن يكون المعنى : على أنّه يقطع من كل شقّ طرفا ، فيقطع اليد اليمنى ، والرّجل اليسرى ، وكذا هو في التفسير ، فيكون الجارّ والمجرور في محلّ نصب على الحال ، كأنّه قال : مختلفة ، ويحتمل أن يكون المعنى : لأقطّعنّ لأجل مخالفتكم إيّاي فتكون «من» تعليلية وتتعلّق على هذا بنفس الفعل ، وهو بعيد.
و «أجمعين» تأكيد أتى به دون كلّ وإن كان الأكثر سبقه ب «كلّ» وجيء هنا ب «ثمّ» ، وفي : طه والشعراء بالواو ، لأن الواو صالحة للمهلة ، فلا تنافي بين الآيات.
فصل
اختلفوا هل فعل بهم ذلك أم لا؟ فنقل عن ابن عبّاس أنّه فعل بهم ذلك (٣).
وقال غيره : لم يقع من فرعون ذلك ، بل استجاب الله دعاءهم في قولهم : (وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ).
وقوله : (إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) جوّزوا في هذا الضّمير وجهين ، أحدهما : أنّه يخصّ السّحرة ، لقوله بعد ذلك (وَما تَنْقِمُ مِنَّا) فإنّ الضّمير في منّا يخصّهم.
وجوّزوا أن يعود عليهم ، وعلى فرعون ، أي : إنّا ـ نحن وأنت ـ ننقلب إلى الله ،
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٤).
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٤٤٠ ، والبحر المحيط ٤ / ٣٦٥ ، والدر المصون ٣ / ٣٢٥ ، وإتحاف ٢ / ٥٩.
(٣) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٤ / ١٧٠).