فيجازي كلّا بعمله ، وهذا وإن كان هو الواقع إلّا أنّه ليس من هذا اللّفظ.
قوله وما تنقم قد تقدّم في المائدة أنّ فيه لغتين وكيفية تعدّيه ب «من» وأنّه على التّضمين.
وقوله : (إِلَّا أَنْ آمَنَّا) يجوز أن يكون في محلّ نصب مفعولا به ، أي : ما تعيب علينا إلّا إيماننا ويجوز أن يكون مفعولا من أجله ، أي : ما تنال منّا وتعذّبنا لشيء من الأشياء إلّا لإيماننا وعلى كلا القولين فهو استثناء مفرغ.
قوله (لَمَّا جاءَتْنا) يجوز أن تكون ظرفية كما هو رأي الفارسي ، وأحد قولي سيبويه ، والعامل فيها على هذا آمنّا أي : آمنّا حين مجيء الآيات ، وأن تكون حرف وجوب لوجوب ، وعلى هذا فلا بدّ لها من جواب وهو محذوف تقديره : لما جاءتنا آمّنا بها من غير توقّف.
قوله : (رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً) معنى الإفراغ في اللّغة : الصّبّ. وأصله من إفراغ الإناء وهو صب ما فيه بالكليّة ، فكأنّهم طلبوا من الله كلّ الصّبر لا بعضه.
ونكّروا «الصّبر» وذلك يدلّ على الكمال والتّمام ، أي : صبرا كاملا تاما ، كقوله تعالى : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ) [البقرة : ٩٦] أي : على حياة كاملة تامّة.
وقوله : (وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ) أي : توفنا على الدّين الحقّ الذي جاء به موسى. واحتجّ القاضي بهذه الآية على أنّ الإيمان والإسلام واحد.
فقال : إنّهم قالوا أوّلا : (آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا) ، ثمّ ثانيا : (وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ) ، فوجب أن يكون هذا الإسلام هو ذاك الإيمان.
قوله : (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ).
[اعلم أن فرعون كان كلما رأى موسى خافه أشد الخوف ، فلهذا لم يحبسه ولم يتعرض له بل خلى سبيله ، فقال له قومه : أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض].
أي : يفسدوا على النّاس دينهم.
قوله : «ويذرك» العامة «ويذرك» بالغيبة ، ونصب الرّاء ، وفي النّصب وجهان :
أظهرهما : أنّه عطف على «ليفسدوا» والثاني : أنّه منصوب على جواب الاستفهام كما ينصب في جوابه بعد الفاء ؛ كقول الحطيئة : [الوافر]
٢٥٤٥ ـ ألم أك جاركم ويكون بيني |
|
وبينكم المودّة والإخاء؟ (١) |
والمعنى : كيف يكون الجمع بين تركك موسى وقومه مفسدين ، وبين تركهم إيّاك وعبادة آلهتك ، أي : لا يمكن وقوع ذلك.
__________________
(١) تقدم.