قال شهاب الدّين (١) : «وهذا ليس بشيء ، لأنّ ذلك قد يأتي في موضع لا زجر فيه ، ولأنّ كتابتها متصلة ينفي كون كلّ منهما كلمة مستقلة».
وقال قوم : إنّها مركّبة من «مه» بمعنى اكفف و «من الشّرطيّة» ؛ بدليل قول الشاعر : [الطويل]
٢٥٥٨ ـ أماويّ مهمن يستمع في صديقه |
|
أقاويل هذا النّاس ماويّ يندم (٢) |
فأبدلت نون «من» ألفا كما تبدل النّون الخفيفة بعد فتحة ، والتّنوين ألفا ، وهذا ليس بشيء بل «مه» على بابها من كونها بمعنى : اكفف ، ثم قال : من يستمع.
وقال قوم : بل هي مركّبة من «من» و «ما» فأبدلت نون «من» هاء ، كما أبدلوا من ألف «ما» الأولى هاء ، وذلك لمؤاخاة من ما في أشياء ، وإن افترقا في شيء واحد ، ذكره مكيّ.
ومحلّها نصب أو رفع ، فالرّفع على الابتداء وما بعده الخبر ، وفيه الخلاف المشهور هل الخبر فعل الشّرط أو فعل الجزاء أو هما معا؟ والنّصب من وجهين :
أظهرهما : على الاشتغال ويقدّر الفعل متأخرا عن اسم الشّرط ، والتقدير : مهما تحضر تأتنا ، ف «تأتنا» مفسّر ل تحضر ، لأنّه من معناه.
والثاني : النصب على الظرفية عند من يرى ذلك ، وقد تقدّم الرّدّ على هذا القول ، والضّميران من قوله به و «بها» عائدان على «مهما» ، عاد الأوّل على اللّفظ ، والثاني على المعنى ، فإنّ معناها الآية المذكورة ، ومثله قول زهير : [الطويل]
٢٥٥٩ ـ ومهما تكن عند امرىء من خليقة |
|
وإن خالها تخفى على النّاس تعلم (٣) |
ومثله : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) [البقرة : ١٠٦] فأعاد الضّمير على «ما» مؤنثا ، لأنّها بمعنى الآية.
وقوله : «فما نحن» يجوز أن تكون «ما» حجازية أو تميمية والباء زائدة على كلا القولين ، والجملة جواب الشّرط فمحلّها جزم.
فصل
قال ابن عباس ، وسعيد بن جبير وقتادة ومحمد بن إسحاق :
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ٣٢٩.
(٢) البيت قيل لحاتم الطائي ينظر : الخزانة ٩ / ١٦ ، شرح المفصل لابن يعيش ٤ / ٨ ، شرح القصائد العشر ٧٨ ، شرح الرضي ٢ / ٢٥٣ ، التهذيب ٥ / ٣٨٥ ، اللسان (مهه) الدر المصون ٣ / ٣٢٩.
(٣) ينظر ديوانه (٣٢) ، شرح القصائد العشر (٢٤٠) ، المغني ١ / ٣٢٣ ، الأشموني ٤ / ١٠ ، الهمع ٣٥١٢.
الدرر ٢ / ٧٤ ، مغني اللبيب ١ / ٣٢٣ ، ٣٣٠ ، البحر المحيط ٤ / ٣٧١ ، الجنى الداني (١٦٢) ، شرح قطر الندى ص ٣٧ ، همع الهوامع ٢ / ٣٥ ، ٥٨ ، الدر المصون ٣ / ٣٢٩.