وقول الآخر : [الكامل]
٢٥٥٧ ـ نبّئت أنّ أبا شتيم يدّعي |
|
مهما يعش يسمع بما لم يسمع (١) |
قال : ف «مهما» هنا ظرف زمان ، والجمهور على خلافه ، وما ذكره متأوّل ، بل بعضه لا يظهر فيه للظّرفية معنى ، وشنّع الزمخشري على القائل بذلك.
فقال : وهذه الكلمة في عداد الكلمات الّتي يحرّفها من لا يد له في علم العربية ، فيضعها في غير موضعها ويحسب «مهما» بمعنى «متى ما».
ويقول : مهما جئتني أعطيتك ، وهذا من كلامه ، وليس من واضع العربية ، ثم يذهب فيفسّر : (مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ) [الأعراف : ١٣٢] بمعنى الوقت ، فيلحد في آيات الله ، وهو لا يشعر ، وهذا وأمثاله ممّا يوجب الجثوّ بين يدي النّاظر في كتاب سيبويه.
قال شهاب الدّين : هو معذور في كونها بمعنى الوقت ، فإن ذلك قول ضعيف ، لم يقل به إلّا الطّائفة الشّاذّة.
وقد قال جمال الدّين بن مالك : جميع النّحويين يقول إنّ «مهما» و «ما» مثل «من» في لزوم التّجرّد عن الظّرف ، مع أنّ استعمالهما ظرفين ثابت في أشعار فصحاء العرب. وأنشد بعض الأبيات المتقدمة.
وكفى بقوله جميع النّحويين دليلا على ضعف القول بظرفيتهما. وهي اسم لا حرف ، بدليل عود الضّمير عليها ، ولا يعود الضّمير على حرف ؛ لقوله : «مهما تأتنا به» فالهاء في «به» تعود على «مهما» ، وشذّ السّهيليّ فزعم أنّها قد تأتي حرفا.
واختلف النّحويون في «مهما» هل هي بسيطة أو مركبة؟ والقائلون بتركيبها اختلفوا : فمنهم من قال : هي مركبة من «ما ما» كرّرت «ما» الشّرطيّة توكيدا ، فاستثقل توالي لفظين فأبدلت ألف «ما» الأولى هاء.
وقيل : زيدت «ما» على «ما» الشّرطية ، كما يزاد على «إن» «ما» في قوله (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ).
فعمل العمل المذكور للثقل الحاصل ، وهذا قول الخليل وأتباعه من أهل البصرة.
وقال قوم : هي مركبة من مه التي هي اسم فعل بمعنى الزّجر ، و «ما» الشّرطيّة ثم ركّبت الكلمتان فصارا شيئا واحدا.
وقال بعضهم : لا تركيب فيها هنا ، بل كأنّهم قالوا له مه ، ثم قالوا «ما تأتنا به» ويعزى هذان الاحتمالان للكسائيّ.
__________________
(١) البيت لطفيل الغنوي ينظر : ديوانه ١٠٤ ، الأشموني ٤ / ١٢ ، شرح الكافية الشافية ٣ / ١٦٢٧ ، الدر المصون ٣ / ٣٢٨.