ألبتّة ، وأنّه لهم ضربة لازم ، ليحذّرهم عاقبة ما طلبوا ، ويبغض إليهم ما أحبّوا.
قال أبو حيّان (١) : «ولا يتعيّن ما قاله من تقديم خبر المبتدأ من الجملة الواقعة خبرا ل «إنّ» ؛ لأنّ الأحسن في إعراب مثل هذا أن يكون متبّر خبرا ل «إنّ» وما بعده مرفوع» فذكر ما قرّرته ، ونظّره بقولك : «إنّ زيدا مضروب غلامه».
قال : فالأحسن أن يكون «غلامه» مرفوعا ب «مضروب» ، ثم ذكر الوجه [الثاني] وهو أن يكون «متبّر» خبرا مقدما من الجملة ، وجعله مرجوحا.
وهو كما قال ؛ لأنّ الأصل في الأخبار أن تكون مفردة ، فما أمكن فيها ذلك لا يعدل عنه ، إلا أنّ الزمخشريّ لم يذكر ذلك على سبيل التّعيين ، بل على أحد الوجهين وقد يكون هذا عنده أرجح من جهة ما ذكر من المعنى ، وإذا دار الأمر بين مرجّح لفظيّ ، ومرجّح معنويّ فاعتبار المعنويّ أولى ، ولا أظنّ حمل الزمخشري على ذلك إلا ما ذكرت.
وقوله «وباطل ما كانوا» كقوله «متبّر ما هم فيه» من جواز الوجهين وما ذكر فيهما.
والتتبير : الإهلاك ، ومنه «التّبر» وهو كسارة الذّهب ، لتهالك النّاس عليه.
وقيل : التّتبير : التّكسير ، والتّحطيم. والبطلان قيل : عدم الشّيء إمّا بعدم ذاته ، وإما بعدم فائدته ومقصوده.
قوله «أغير الله» الهمزة للإنكار ، والتّوبيخ ، وفي نصب غير وجهان : أحدهما : أنّه مفعول به ل «أبغيكم» على حذف اللّام ، تقديره : أبغي لكم غير الله ، أي : أطلب لكم فلمّا حذف الحرف ، وصل الفعل بنفسه ، وهو غير منقاس ، وفي إلها على هذا وجهان : أظهرهما : أنّه تمييز ل «غير» ، والثاني : أنّه حال ، ذكره أبو حيان وفيه نظر.
والثاني من وجهي «غير» : أنّه منصوب على الحال من إلها وإلها هو المفعول به ل «أبغيكم» على ما تقرّر ، والأصل : أبغي لكم إلها غير الله ، ف «غير الله» صفة ل : إله ، فلمّا قدّمت صفة النّكرة عليها نصبت حالا.
وقال ابن عطيّة : و «غير» منصوبة بفعل مضمر ، هذا هو الظّاهر ، ويجوز أن يكون حالا. وهذا الذي ذكره من إضمار الفعل لا حاجة إليه فإن أراد أنّه على الاشتغال فلا يصحّ ؛ لأنّ شرطه أن يعمل المفسّر في ضمير الأوّل ، أو سببه.
قوله : «أبغيكم» قال الواحديّ :
يقال : بغيت فلانا شيئا وبغيت له.
قال تعالى : (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) [التوبة : ٤٧] أي : يبغون لكم. والمعنى : أطلب لكم غير الله معبودا.
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٣٧٧ ـ ٣٧٨.