قال المفسّرون : إنّ موسى ـ عليه الصّلاة والسّلام كان إذا ضرب الحجر ظهر عليه مثل ثدي المرأة فيعرق ثمّ يسيل ، وهما قريبان من الفرق المذكور في النّضح والنّضخ.
وقال الرّاغب (١) : بجس الماء وانبجس انفجر ، لكنّ الانبجاس أكثر ما يقال فيما يخرج من شيء ضيق ، والانفجار يستعمل فيه وفيما يخرج من شيء واسع ؛ ولذلك قال تعالى : (فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) ، وفي موضع آخر (فَانْفَجَرَتْ) [البقرة : ٦٠] ، فاستعمل حيث ضاق المخرج اللفظتان. يعني : ففرّق بينهما بالعموم والخصوص ، فكلّ انبجاس انفجار من غير عكس.
وقال الهرويّ : يقال : انبجس ، وتبجّس ، وتفجّر ، وتفّتق بمعنى واحد. وفي حديث حذيفة ما منا إلا رجل له آمّة يبجسها الظّفر غير رجلين يعني : عمر وعليّا رضي الله عنهما. الآمّة : الشّجّة تبلغ أمّ الرأس ، وهذا مثل يعني أنّ الآمّة منا قد امتلأت صديدا بحيث إنه يقدر على استخراج ما فيها بالظفر من غير احتياج إلى آلة حديد كالمبضع فعبّر عن زلل الإنسان بذلك ، وأنه تفاقم إلى أن صار يشبه شجّة هذه صفتها.
قوله : (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ).
قال الزمخشريّ (٢) : «الأناس» اسم جمع غير تكسير نحو : رخال وثناء وتؤام ، وأخوات لها ، ويجوز أن يقال : إن الأصل : الكسر ، والتكسير والضّمة بدل من الكسرة لما أبدلت في نحو : سكارى وغيارى من الفتحة.
قال أبو حيان : ولا يجوز ما قال لوجهين ، أحدهما : أنّه لم ينطق ب «إناس» بكسر الهمزة ، فيكون جمع تكسير ، حتّى تكون الضمّة بدلا من الكسرة بخلاف «سكارى» و «غيارى» فإنّ القياس فيه «فعانى» بفتح فاء الكلمة ، وهو مسموع فيهما.
والثاني : أنّ «سكارى» و «عجالى» و «غيارى» وما ورد من نحوها ليست الضّمّة فيه بدلا من الفتحة ، بل نصّ سيبويه في كتابه على أنّه جمع تكسير أصل ، كما أنّ «فعالى» جمع تكسير أصل وإن كان لا ينقاس الضّمّ كما ينقاس الفتح.
قال سيبويه ـ في حدّ تكسير الصّفات ـ : «وقد يكسّرون بعض هذا على «فعالى» وذلك قول بعضهم : عجالى وسكارى».
وقال سيبويه ـ في الأبنية أيضا ـ : «ويكون «فعالى» في الاسم نحو : حبارى ، وسمانى ، ولبادى ، ولا يكون وصفا إلّا أن يكسّر عليه الواحد للجمع نحو : سكارى وعجالى». فهذان نصّان من سيبويه على أنّه جمع تكسير ، وإذا كان جمع تكسير أصلا لم يسغ أن يدّعى أن أصله فعالى وأنه أبدلت الحركة فيه. وذهب المبرّد إلى أنه اسم جمع أعني «فعالى» بضم الفاء ، وليس بجمع تكسير. فالزمخشريّ لم يذهب إلى ما ذهب إليه
__________________
(١) ينظر : المفردات للراغب ٣٧.
(٢) ينظر : تفسير الكشاف ٢ / ١٦٩.