قال أبو عبيد : جميع متاع الدّنيا عرض بفتح الرّاء.
يقال : «الدّنيا عرض حاضر يأكل منها البرّ والفاجر». وأما العرض بسكون الرّاء فما خالف الثّمين ، أعني الدّراهم والدّنانير وجمعه عروض ، فكان العرض من العرض وليس كل عرض عرضا. والمعنى : حطام هذا الشّيء الأدنى يريد الدّنيا ، والمراد منه : التّخسيس والتّحقير ، والأدنى إمّا من الدّنوّ بمعنى القرب ؛ لأنّه عاجل قريب ، وإمّا من دنوّ الحال وسقوطها. وتقدّم الكلام عليه.
قوله ويقولون نسق على يأخذون بوجهيه ، وسيغفر معموله ، وفي القائم مقام فاعله وجهان: أحدهما الجارّ بعده وهو «لنا» والثاني : أنّه ضمير الأخذ المدلول عليه بقوله يأخذون أي: سيغفر لنا أخذ العرض الأدنى.
قوله : (وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ) هذه الجملة الشّرطية فيها وجهان :
أظهرهما : أنّها مستأنفة لا محلّ لها من الإعراب.
والثاني : أنّ الواو للحال ، وما بعدها منصوب عليها.
قال الزمخشري (١) : الواو للحال ، أي : يرجون المغفرة وهم مصرّون عائدون إلى فعلهم غير تائبين ، وغفران الذّنوب لا يصحّ إلّا بالتّوبة ، والمصرّ لا غفران له انتهى. وإنّما جعل الواو للحال لهذا الغرض الذي ذكره من أن الغفران شرطه التّوبة ، وهو رأي المعتزلة وأمّا أهل السّنّة : فيجوز مع عدم التوبة ، لأنّ الفاعل مختار.
والعرض ـ بفتح الراء ـ ما لا ثبات له ، ومنه استعار المتكلمون : العرض المقابل للجوهر.
وقال أبو عبيدة : العرض ـ بالفتح ـ جميع متاع الدّنيا غير النقدين. كما تقدّم.
قال المفسّرون : المراد بالكلام : الإخبار عن إصرارهم على الذّنوب.
وقال الحسن : هذا إخبار عن حرصهم على الدّنيا ، وأنهم «يستمتعون» (٢) منها (٣).
ثم قال تعالى : (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ) أي : التّوراة : (أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) والمراد منعهم عن تحريف الكتاب ، وتغيير الشّرائع ؛ لأجل أخذ الرشوة.
قوله : «أن لا يقولوا» فيه أربعة أوجه : أحدها : أنّ محله رفع على البدل من «ميثاق» ؛ لأن قول الحقّ هو ميثاق الكتاب.
والثاني : أنّه عطف بيان له وهو قريب من الأوّل.
والثالث : أنه منصوب على المفعول من أجله.
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ١٧٤.
(٢) في ب : لا يشبعون.
(٣) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٥ / ٣٧).