«المص» على هذا المعنى بعينه محض التّحكم ، وأيضا فإن جاء تفسير الألفاظ بناء على ما فيها من الحروف من غير أن تكون تلك اللفظة موضوعة في اللّغة لذلك المعنى ؛ انفتحت طريقة الباطنيّة(١) في تفسير سائر [ألفاظ] القرآن الكريم بما يشاكل هذا الطريق.
__________________
(١) قال العلامة أبو شهبة : وأصحاب المذاهب المبتدعة : كالشيعة ، والمعتزلة ، وأضرابهم. قد نحوا بالتفسير ناحية مذاهبهم ، وفي سبيل ذلك قد حرفوا بعض الآيات وخرجوا بها عن معانيها المرادة ، وعن قواعد اللغة ، وأصول الشريعة وصار الواحد منهم كلما لاحت له شاردة من بعيد اقتنصها ، أو وجد موضعا له فيه أدنى مجال لإظهار بدعته وترجيح مذهبه سارع إليه ، ومن هذه التفاسير : تفاسير جليلة خدمت القرآن خدمة جليلة ، وهو تفسير الكشاف للإمام الزمخشري ، ولو لا ما فيه من آراء اعتزالية ، لكان أجل تفسير في بابه.
قال الإمام البلقيني : استخرجت من «الكشاف» اعتزالا بالمناقيش : من قوله تعالى : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ ، وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) ، قال الزمخشري : «وأي فوز أعظم من دخول الجنة»؟ (أشار به إلى عدم رؤية الله في الآخرة ، الذي هو مذهبهم.
ومنها : تفاسير باطلة ، ضالة مضلة ، كتفاسير الباطنية ، والروافض ، وبعض المتصوفة ، والملحدين ، فقد ألحدوا في آيات الله ، وحرفوا الكلم عن مواضعه ، وخالفوا القواعد اللغوية والشرعية وافتروا على الله ما لم يرده من كتابه (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ).
ومن تفسيرات الباطنية : قولهم في قوله تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) أن الإمام عليا ورث النبي في علمه ، ويقولون : الكعبة هي : النبي ، والباب هو : علي ، إلى غير ذلك من أباطيلهم.
ومن تفسيرات الباطنية : قولهم في قوله تعالى : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ :) أن المراد بهما : علي ، وفاطمة ، وقوله : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) : أن المراد : الحسن والحسين ، وقولهم في قوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) هي : عائشة ، إلى غير ذلك من تحريفاتهم للنصوص القرآنية. ومن تفسيرات الملحدة : قولهم في قوله تعالى حكاية عن قول الخليل إبراهيم ـ عليهالسلام ـ : (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) : أنه كان له صديق وصفه بأنه قلبه ، وفي قوله تعالى : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) : إنه الحب ، والعشق ، إلى غير ذلك من خرافاتهم.
ومن تحريفات بعض المتصوفة في كلام الله ، قول بعضهم في قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) : أن معناه «من ذل» : أي من لذل ، «ذي» : إشارة إلى النفس ، «يشف» : من الشفا جواب من «ع وقد سئل الإمام سراج الدين البلقيني عمن قال هذا : فأفتى بأنه ملحد ، وقال قال الله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا)، قال ابن عباس : هو أن يوضع الكلام على غير موضعه وبحسبنا هذا القدر في هذا المقام.
وهي تخريفات ، وتحريفات للقرآن الذي أنزله الله بلسان عربي مبين ، وصرف له عن ظاهره المراد لغة وشرعا ، وهؤلاء أضر على الإسلام من أعدائه ، والعدو المداجي المتستر بالتشيع ، أو التصوف ونحوه شر من العدو ، المكاشف ، المستعلن ، وقد أشار النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إلى هذه الفئات الضالة ، المضلة المحرفة لكتاب الله ، فقال فيما رواه عنه حذيفة : «إن في أمتي أقواما يقرأون القرآن ، ينثرونه نثر الدقل ، يتأولون القرآن على غير تأويله».
وقد حاول هؤلاء أن يؤيدوا آراءهم ومذاهبهم ، فافتروا على النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، وعلى صحابته الأطهار ، فمن ثم دخل في تفاسيرهم هم من المرويات الباطلة شيء كثير.
ينظر الإسرائيليات والموضوعات ص ١٠٨ ـ ١١٠.