ولا في دنياه ؛ لأنّ إبليس استمهل الزّمان الطويل فأمهله الله ، ثمّ بيّن أنّه إنّما يستمهله ؛ لإغواء الخلق ، وإضلالهم. والله ـ تعالى ـ عالم بأنّ أكثر الخلق يطيعونه ، ويقبلون وسوسته كما قال تعالى: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [سبأ : ٢٠] فثبت أنّ إنظار إبليس وإمهاله هذه المدة الطويلة ؛ يقتضي حصول المفاسد العظيمة ،
__________________
ـ والصيغة المشهورة عن المعتزلة :
أنه إذا كان هناك أمران أحدهما صلاح والآخر فساد وجب على الله فعل الصلاح وترك الفساد وإذا كان أمران أحدهما صلاح والآخر أصلح وجب على الله فعل الأصلح وترك الصلاح واستدلوا على ذلك بقولهم : إن فعل الصلاح والأصلح حكمة ومصلحة يستحق فاعله المدح فيجب على الله فعله وتركه بخل وسفه يستحق تاركه الذم فيجب الفعل لأن الله منزه عما يستحق به الذم ويجاب عن ذلك بأن منع ما يكون من حق المانع الذي يثبت بالأدلة كرمه ولطفه وحكمته وعدله ليس بخلا ولا سفها وإنما هو عدل وحكمة.
ورد أهل السنة عليهم بقولهم :
١ ـ لا يجب على الله شيء لأنه يتنافى مع اختياره والله قد بين أن ما وقع في الكون بمشيئته واختياره قال تعالى «فعال لما يريد» وضد الواقع داخل تحت مشيئته قال تعالى (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً).
٢ ـ لو وجب عليه شيء فإن لم يستحق بتركه الذم لم يتحقق الوجوب لأن الواجب ما استحق تاركه الذم وإن استوجب تركه الذم كان الباري ناقصا بذاته مستكملا بفعله مع أن كماله لذاته.
٣ ـ لو وجب عليه فعل الصلاح والأصلح لما خلق الكافر الفقير المبتلى بالأسقام المخلد في النار ولما آلم الأطفال والعجزة ، ولما كان هناك تفضيل بين الناس مع أن الله يقول (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ).
ولما كان لله منة على عباده ولا استحق منهم شكرا لأنه لم يفعل إلا الواجب عليه ، ولما صح سؤال الخير وكشف الضر لأن الله فعل ما فيه الأصلح واستنفد ما في قدرته. وأين الصلاح في خلق إبليس وإبقائه طول الزمن وإقداره على إضلال العباد.
ولا يمكن أن نقول إن كفر الكافر صلاح له وإن كل ما وقع في الكون أصلح للعباد لأن من الضروريات أن الإيمان أصلح من الكفر والسعادة أنفع من الشقاوة وإذا فالله لا يجب عليه شيء بل جميع الممكنات جائزة في حقه لما ثبت له من العلم والإرادة والاختيار والقدرة ، وأما الآيات والأحاديث التي تدل على الوجوب مثل قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) فمحمولة على أن المراد بها الوعد تفضلا ، وهذه المسألة كانت سببا لترك الأشعري مذهب المعتزلة ، فقد سأل شيخه الجبائي في ثلاثة إخوة مات أحدهم كبيرا طائعا والثاني كبيرا عاصيا والثالث صغيرا ، فقال الجبائي الأول يثاب بالجنة والثاني يعاقب بالنار والثالث لا يثاب ولا يعاقب قال الأشعري فلو قال الصغير لم لم تبقني فأطيعك فأدخل الجنة ماذا يقول له الرب ، فقال الجبائي يقول علمت أنك لو كبرت عصيت فكان الأصلح لك أن تموت صغيرا.
قال الأشعري : فإن قال الثاني يا رب لم لم تمتني صغيرا حتى لا أدخل النار ، ماذا يقول الرب فبهت الجبائي وقامت عليه الحجة.
قال صاحب الجوهرة :
وقولهم إن الصلاح واجب عليه |
|
زور ما عليه واجب |
ألم يروا إيلامه الأطفالا |
|
وشبهها فحاذر المحالا |