فأمّا القول الأول : وهو أنّ السؤال كان عن حكم الأنفال ومصرفها ، فهو قول أكثر المفسرين لأنّ قوله (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) [الأنفال : ١] يدلّ على أنّ المقصود منه منع القوم عن المخاصمة والمنازعة.
وقوله : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) يدلّ على أنّ السّؤال كان بعد وقوع الخصومة بينهم ، وقوله : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) يدلّ على ذلك أيضا. وإذا عرف ذلك فيحتمل أن يكون المراد بهذه الأنفال قسمة الغنائم ، وهي الأموال المأخوذة من الكفار قهرا ، ويحتمل أن يكون المراد غيرها.
أما الأوّل ففيه وجوه :
أحدها : أنّه عليه الصّلاة والسّلام قسم ما غنموه يوم بدر على من حضر وعلى أقوام لم يحضروا أيضا ، وهم ثمانية أنفس : ثلاثة من المهاجرين ، وخمسة من الأنصار ، فالمهاجرون : عثمان ـ رضي الله عنه ـ تركه عليه الصلاة والسلام على ابنته وكانت مريضة ، وطلحة وسعيد بن زيد فإنّه عليه الصلاة والسلام بعثهما للتّجسس عن خبر العدوّ وخرجا في طريق الشّام.
وأما الأنصار : فأبو كنانة بن عبد المنذر ، وخلفه النبي صلىاللهعليهوسلم على المدينة ، وعاصم خلفه على العالية ، والحارث بن حاطب : ردّه من الرّوحاء إلى عمرو بن عوف لشيء بلغه عنه والحارث بن الصمة أصابته علة بالروحاء ، وخوات بن جبير ، فهؤلاء لم يحضروا ، وضرب لهم النبيصلىاللهعليهوسلم في تلك الغنائم بسهم ، فوقع من غيرهم فيه منازعة ، فنزلت هذه الآية.
ثانيها : روي أنّ الشّباب يوم بدر قتلوا وأسروا ، والأشياخ وقفوا مع رسول اللهصلىاللهعليهوسلم في المضاف فقال الشبان : الغنائم لنا لأنّا قتلنا وأسرنا وهزمنا. فقال سعد بن معاذ : والله ما منعنا أن نطلب ما طلب هؤلاء زهادة في الأجر ولا جبن عن العدو ، ولكن كرهنا أن تعرى مصافك ، فتعطف عليك خيل من المشركين فيصيبوك.
وروي أنّ الأشياخ قالوا : كنّا ردءا لكم ولو انهزمتم لانحزتم إلينا ، فلا تذهبوا بالغنائم ، فوقعت المخاصمة بهذا السّبب فنزلت هذه الآية.
وثالثها : قال الزجاج : «الأنفال الغنائم ، وإنّما سألوا عنها ؛ لأنها كانت حراما على من كان قبلهم».
وهذا ضعيف ؛ لأنّا بيّنّا في هذا السؤال أنه كان مسبوقا بمنازعة ومخاصمة ، وعلى قول الزجاج يكون السّؤال عن طلب حكم فقط.
وأما الاحتمال الثاني : وهو أن يكون المراد بالأنفال شيئا سوى الغنائم ، وعلى هذا أيضا فيه وجوه :
أحدها : قال ابن عباس في بعض الروايات : «المراد بالأنفال ما شذّ عن المشركين