قال مجاهد ، وعكرمة ، والسديّ : إنها نسخت بقوله : (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ)(١) [الأنفال : ٤١].
وهو قول ابن عباس في بعض الروايات.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هي ثابتة غير منسوخة ، ومعنى الآية : قل الأنفال لله في الدنيا والآخرة ، وللرسول يضعها حيث أمره الله ، أي : الحكم فيها لله ورسوله ، وقد بيّن الله مصارفها في قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) الآية (٢).
قوله : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) وتقدّم الكلام على ذات في آل عمران ، وهي هنا صفة لمفعول محذوف تقديره : وأصلحوا أحوالا ذات افتراقكم وذات وصلكم أو ذات المكان المتصل بكم ، فإنّ «بين» قد قيل : إنه يراد به هنا : الفراق أو الوصل ، أو الظّرف ، وقال الزجاج وغيره : إنّ ذات هنا بمنزلة حقيقة الشّيء ونفسه ، وقد أوضح ذلك ابن عطيّة.
وقال أبو حيّان (٣) : «والبين الفراق ، وذات نعت لمفعول محذوف ، أي : وأصلحوا أحوالا ذات افتراقكم ، لمّا كانت الأحوال ملابسة للبين أضيفت صفتها إليه ، كما تقول : اسقني ذا إنائك ، أي : ماء صاحب إنائك ، لمّا لابس الماء الإناء وصف ب «ذا» وأضيف إلى الإناء ، والمعنى : اسقني ما في الإناء من الماء».
قوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
قال ابن عطيّة (٤) : جواب الشرط المتقدم في قوله وأطيعوا هذا مذهب سيبويه ، ومذهب المبرد : أنّ الجواب محذوف متأخر ، ومذهبه في هذا ألّا يتقدّم الجواب على الشرط وهذا الذي ذكره نقل النّاس خلافه ، نقلوا جواز تقديم جواب الشرط عليه عن الكوفيين ، وأبي زيد ، وأبي العبّاس ، والله أعلم.
ويجوز أن يكون للمبرّد قولان ، وكذا لسيبويه ؛ لأنّ قوله : (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) يقتضي أن تكون الغنائم كلها للرسول.
ومعنى الآية : اتّقوا الله بطاعته وأصلحوا الحال بينكم بترك المنازعة ، والمخالفة ، وتسليم أمر القسمة إلى الله والرسول : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي : إنّ الإيمان الذي دعاكم الرسول إليه لا يتم إلا بالتزام الطّاعة ، فاحذروا الخروج والمخالفة ،
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١٧٥) عن مجاهد وعكرمة والسدي.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٢٩٦) وعزاه إلى ابن أبي شيبة والنحاس في «ناسخه» وأبي الشيخ عن مجاهد وعكرمة.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١٧٥) عن ابن زيد.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٥٣.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٥٠٠.