الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) يصنع فيها ما يشاء ، فأمسك المسلمون عن الطّلب ، وفي أنفس بعضهم شيء من الكراهة وحين خرج النبي صلىاللهعليهوسلم إلى القتال يوم بدر كانوا كارهين لتلك المقاتلة على ما سنشرحه ، فلمّا قال : (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) كان التقدير : أنّهم رضوا بهذا الحكم في الأنفال وإن كانوا كارهين له كما أخرجك ربك من بيتك بالحقّ إلى القتال ، وإن كانوا كارهين له.
الثاني : قال عكرمة : تقديره : وأصلحوا ذات بينكم إصلاحا كما أخرجك ، وقد التفت من خطاب الجماعة إلى خطاب الواحد.
والثالث : تقديره : وأطيعوا الله ورسوله طاعة محققة ثابتة كما أخرجك ، أي : كما أنّ إخراج الله إياك لا مرية فيه ولا شبهة.
الرابع : تقديره : يتوكّلون توكلا حقيقيا كما أخرجك ربّك.
الخامس : تقديره : هم المؤمنون حقّا كما أخرجك ، فهو صفة ل «حقّا».
السادس : تقديره : استقرّ لهم درجات وكذا استقرارا ثابتا كاستقرار إخراجك.
السابع : أنّه متعلق بما بعده تقديره : يجادلونك مجادلة : كما أخرجك ربك ، قال الكسائيّ «الكاف» تتعلّق بما بعده وهو قوله : (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِ) والتقدير : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِ) على كره فريق من المؤمنين كذلك هم يكرهون القتال ويجادلونك فيه.
الثامن : تقديره : لكارهون كراهية ثابتة : كما أخرجك ربّك أي : إنّ هذين الشيئين الجدال والكراهية ثابتان لا محالة كما أنّ إخراجك ثابت لا محالة.
التاسع : أنّ «الكاف» بمعنى «إذ» ، و «ما» زائدة ، والتقدير : اذكر إذ أخرجك وهذا فاسد جدّا ، إذ لم يثبت في موضع أنّ «الكاف» تكون بمعنى «إذ» وأيضا فإنّ «ما» لا تزاد إلّا في مواضع ليس هذا منها.
العاشر : أنّ «الكاف» بمعنى : «واو» القسم ، و «ما» بمعنى «الذي» واقعة على ذي العلم مقسما به.
وقد وقعت على ذي العلم في قوله : (وَالسَّماءِ وَما بَناها) [الشمس : ٥] (وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) [الليل : ٣] والتقدير : والذي أخرجك ، ويكون قوله : يجادلونك جواب القسم وهذا قول أبي عبيدة.
وقد ردّ النّاس عليه قاطبة ، وقالوا : كان ضعيفا في النّحو. ومتى ثبت كون الكاف حرف قسم ، بمعنى «الواو»؟ وأيضا فإن : يجادلونك لا يصحّ كونه جوابا ؛ لأنّه على مذهب البصريين متى كان مضارعا مثبتا ؛ وجب فيه شيئان : اللّام ، وإحدى النونين نحو : (لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً) [يوسف : ٣٢] وعند الكوفيين إمّا اللّام ، وإمّا إحدى النونين ، ويجادلونك عار عنهما.