ثم قال : (فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) في كيفيّة هذا التّثبيت وجوه : فقيل : إنّهم عرّفوا الرّسول ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ أنّ الله ناصر المؤمنين والرّسول عرّف المؤمنين ذلك ، فهذا هو التثبيت.
وقيل : إنّ الشيطان كما يمكنه إلقاء الوسوسة إلى الإنسان ، فكذلك الملك يمكنه إلقاء الإلهام إليه ، فالتثبيت من هذا الباب.
وقيل : إنّ الملائكة كانوا يتشبّهون بصور رجال من معارفهم وكانوا يمدونهم بالنّصر والفتح ، والظّفر.
قوله : (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) وهذا من النعم الجليلة ، لأنّ أمير النفس هو القلب فلمّا بيّن الله تعالى أنّه ربط قلوب المؤمنين أي : قوّاها ، وأزال الخوف عنها ذكر أنه ألقى الرّعب في قلوب الكافرين ، فكان ذلك من أعظم نعم الله تعالى على المؤمنين.
قوله : «فاضربوا» قيل : هذا أمر للملائكة متصل بقوله تعالى : «فثبّتوا».
وقيل : أمر للمؤمنين وهو الصّحيح لما تقدّم من أنّ الملائكة لم ينزلوا للمقاتلة ، بل لتقوية قلوب المؤمنين وتثبيتهم.
قوله : (فَوْقَ الْأَعْناقِ) فيه أوجه :
أحدها : أنّ «فوق» باقية على ظرفيتها والمفعول محذوف ، أي : فاضربوهم فوق الأعناق. علّمهم كيف يضربونهم.
والثاني : أنّ «فوق» مفعول به على الاتّساع ؛ لأنه عبارة عن الرّأس ، كأنّه قيل : فاضربوا رءوسهم ، وهذا ليس بجيد ؛ لأنّه لا يتصرّف.
وزعم بعضهم أنه يتصرّف ، وأنك تقول : فوقك رأسك برفع فوقك ، وهو ظاهر قول الزمخشريّ ، فإنه قال : (فَوْقَ الْأَعْناقِ) أراد أعالي الأعناق التي هي المذابح لأنّها مفاصل.
الثالث : ـ وهو قول أبي عبيدة ـ : أنّها بمعنى «على» أي : على الأعناق ويكون المفعول محذوفا تقديره : فاضربوهم على الأعناق ، وهو قريب من الأول.
الرابع : قال ابن قتيبة : هي بمعنى : «دون».
قال ابن عطيّة : «وهذا خطأ بيّن وغلط فاحش ، وإنّما دخل عليه اللّبس من قوله : (بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) [البقرة : ٢٦] أي : فما دونها وليست «فوق» هنا بمعنى «دون» وإنّما المراد : فما فوقها في القلّة والصّغر».
الخامس : أنها زائدة أي : اضربوا الأعناق ، وهو قول أبي الحسن. وهذا عند الجمهور خطأ ؛ لأنّ زيادة الأسماء لا يجوز.
قوله : (... مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) يجوز أن يتعلّق : «منهم» بالأمر قبله ، أي : ابتدئوا