استمرارهم على الكفر ، وإصرارهم عليه ، وقوله : (الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ) إشارة إلى نقض العهد.
قال الكلبيّ ومقاتل : يعني يهود بني قريظة ، منهم كعب بن الأشرف وأصحابه (١).
(الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ) أي : عاهدنهم.
قيل : عاهدت بعضهم ، وقيل : أدخل «من» لأن معناه : أخذت منهم العهد. (ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ).
قال ابن عباس «هم بنو قريظة ، نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأعانوا المشركين على قتال النبي صلىاللهعليهوسلم يوم بدر ، ثم قالوا : نسينا وأخطأنا فعاهدهم ثانيا ، فنقضوا العهد ومالوا مع الكفار على رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم الخندق ، وركب كعب بن الأشرف إلى مكة فوافقهم على مخالفة الرسول صلىاللهعليهوسلم» (٢) ، (وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) لا يخافون الله في نقض العهد.
قوله «الّذين عاهدتّ» يجوز فيه أوجه :
أحدها : الرّفع على البدل من الموصول قبله ، أو على النّعت له ، أو على عطف البيان ، أو النصب على الذّمّ ، أو الرفع على الابتداء ، والخبر قوله (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ) بمعنى : من تعاهد منهم ، أي : من الكفار ثم ينقضون عهدهم ، فإن ظفرت بهم فاصنع كيت وكيت ، فدخلت الفاء في الخبر لشبه المبتدأ بالشرط ، وهذا ظاهر كلام ابن عطية رحمهالله تعالى.
و «منهم» يجوز أن يكون حالا من عائد الموصول المحذوف ، إذ التقدير : الذين عاهدتهم ، أي : كائنين منهم ، ف «من» للتبعيض. وقيل : هي بمعنى : «مع».
وقيل : الكلام محمول على معناه ، أي : أخذت منهم العهد.
وقيل : زائدة أي : عاهدتهم. والأقوال الثلاثة ضعيفة ، والأول أصحّ.
(فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ)(٣).
قال ابن عباس «فنكل بهم من خلفهم» (٣).
وقال سعيد بن جبير : «أنذر بهم من خلفهم» (٤).
العامّة على الدال المهملة في «فشرّد». وأصل التّشريد : التّطريد والتفريق والتبديد.
وقيل : التفريق مع الاضطراب ، والمعنى : فرق بهم جمع كل ناقض ، أي : افعل
__________________
(١) ذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٥٧).
(٢) انظر : «معالم التنزيل» (٢ / ٢٥٧).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٧١) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٥٧).
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٧١) وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٥٧).