كقوله : (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ) [الروم : ٢٤] وقوله : (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ) [الزمر : ٦٤].
قاله الزجاج : والتقدير : ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقونا ، وحذف «أن» الموصولة في القرآن ، وفي كلام العرب كثير ، فأمّا القرآن فكالآيات ، ومن كلام العرب : تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه ؛ وقوله : [الطويل]
٢٧٢٤ ـ ألا أيّهذا الزّاجري أحضر الوغى |
|
.......... (١) |
ويؤيد هذا الوجه قراءة (٢) عبد الله «أنهم سبقوا».
وقال قوم : بل «سبقوا» في محلّ نصب على الحال ، والسادّ مسدّ المفعولين : (إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) ، وتكون «لا» مزيدة ليصح المعنى.
قال الزمخشريّ (٣) ـ بعد ذكره هذه الأوجه ـ «وليست هذه القراءة التي تفرّد بها حمزة بنيّرة» وقد ردّ عليه جماعة هذا القول ، وقالوا : لم ينفرد بها حمزة ، بل وافقه عليها من قرّاء السبعة ابن عامر أسنّ القراء وأعلاهم إسنادا ، وعاصم في رواية حفص ثم هي قراءة أبي جعفر المدني شيخ نافع ، وأبي عبد الرحمن السلمي ، وابن محيصن وعيسى ، والأعمش ، والحسن البصري ، وأبي رجاء ، وطلحة ، وابن أبي ليلى. وقد ردّ عليه أبو حيان أيضا أنّ (لا يَحْسَبَنَّ) واقع على (إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) وتكون «لا» صلة ، بأنّه لا يتأتّى على قراءة حمزة ، فإنّه يقرأ بكسر الهمزة ، يعني فكيف تلتئم قراءة حمزة على هذا التخريج؟.
قال شهاب الدّين (٤) : «هو لم يلتزم التخريج على قراءة حمزة في الموضعين ، أعني : (لا يَحْسَبَنَّ) وقوله : (إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) ، حتى نلزمه ما ذكر» وأما قراءة الخطاب فواضحة ، أي : لا تحسبنّ يا محمد ، أو يا سامع ، و (الَّذِينَ كَفَرُوا) مفعول أول ، والثاني : «سبقوا» ، وقد تقدّم في آل عمران وجه أنه يجوز أن يكون الفاعل الموصول ، وإنّما أتى بتاء التأنيث ، لأنه بمعنى «القوم» ، كقوله : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ) [الشعراء : ١٠٥] ، وقرأ الأعمش (٥) «ولا يحسب الذين كفروا» بفتح الباء.
وتخريجها على أن الفعل مؤكد بنون التّوكيد الخفيفة ، فحذفها ؛ لالتقاء الساكنين ، كما يحذف له التنوين ؛ فهو كقوله : [المنسرح]
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : حجة القراءات ص (٣١٢) الكشاف ٢ / ٢٣١ ، المحرر الوجيز ٢ / ٥٤٥ ، البحر المحيط ٤ / ٥٠٥ ـ ٥٠٦ ، الدر المصون ٣ / ٤٢٩.
(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٣١.
(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ٤٣٠.
(٥) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٥٤٤ ، البحر المحيط ٤ / ٥٠٦ ، الدر المصون ٣ / ٤٣٠.