يؤمنوا به فإنّما عليك منه البلاغ وليس عليك سوى الإنذار به ، ومثله قوله عزوجل : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [الشعراء : ٣].
قوله : «منه» متعلق ب «حرج». و «من» سببيّة أي حرج بسببه تقول : حرجت منه أي : ضقت بسببه ، ويجوز أن يتعلّق بمحذوف على أنّه صفة له أي : حرج كائن وصادر منه ، والضّمير في «منه» يجوز أن يعود على الكتاب وهو الظّاهر ، ويجوز أن يعود على الإنزال المدلول عليه ب «أنزل» ، أو على الإنذار ، أو على التّبليغ المدلول عليهما بسياق الكلام ، أو على التّكذيب الّذي تضمنه المعنى ، والنهي في الصّورة للحرج ، والمراد الصّادر منه مبالغة في النّهي عن ذلك كأنّه قيل : لا تتعاطى أسبابا ينشأ عنها حرج ، وهو من باب «لا أرينّك ههنا» ، النهي متوجه على المتكلم والمراد به المخاطب كأنه قال : لا تكن بحضرتي فأراك ومثله : (فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها) [طه : ١٦].
قوله : (لِتُنْذِرَ بِهِ) في متعلق هذه «اللّام» ثلاثة أوجه.
أحدها : أنّها متعلّقة ب «أنزل» أي : أنزل إليك للإنذار ، وهذا قول الفرّاء (١) قال : اللّام في «لتنذر» منظوم بقوله : «أنزل» على التّقديم والتّأخير ، على تقدير : كتاب «أنزل إليك لتنذر به فلا يكن». وتبعه الزّمخشري (٢) والحوفيّ ، وأبو البقاء (٣) على ذلك ، وعلى هذا تكون جملة النّهي معترضة بين العلّة ومعلولها ، وهو الذي عناه الفرّاء بقوله : «على التّقديم والتّأخير».
والثاني : أنّ اللام متعلّقة بما تعلّق به خبر «الكون» إذ التقدير : فلا يكن حرج مستقرا في صدرك لأجل الإنذار. كذا قاله أبو حيّان (٤) عن ابن الأنباري ، فإنّه قال : «وقال ابن الأنباري : التقدير : فلا يكن في صدرك حرج منه كي تنذر به فجعله متعلقا بما تعلّق به «في صدرك» ، وكذا علّقه به صاحب «النّظم» ، فعلى هذا لا تكون الجملة معترضة».
قال شهاب الدّين (٥) : الذي نقله الواحديّ عن نصّ ابن الأنباري في ذلك أن «اللّام» متعلّقة ب «الكون» ، وعن صاحب «النّظم» أنّ اللّام بمعنى «أن» وسنأتي بنصّيهما إن شاء الله تعالى ، فيجوز أن يكون لهما كلامان.
الثالث : أنّها متعلّقة بنفس الكون ، وهو مذهب ابن الأنباريّ والزّمخشريّ ، وصاحب «النّظم» على ما نقله أبو حيّان (٦).
قال أبو بكر بن الأنباريّ : ويجوز أن تكون اللّام صلة للكون على معنى : «فلا يكن
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ٣٧٠.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٨٦.
(٣) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦٧.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٦٧.
(٥) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٣٠.
(٦) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٦٧.