في صدرك شيء لتنذر ، كما يقول الرجل للرّجل لا تكن ظالما لتقضي صاحبك دينه فتحمل لام كي على الكون».
وقال الزّمخشريّ (١) : فإن قلت : بم تعلّق به «لتنذر»؟ قلت : ب «أنزل» أي : أنزل لإنذارك به ، أو بالنّهي ؛ لأنّه إذا لم يخفهم أنذرهم ، وكذا إذا علم أنّه من عند الله شجعه اليقين على الإنذار.
قال أبو حيّان (٢) : «فقوله : بالنّهي ظاهره أنّه يتعلّق بفعل النهي فيكون متعلقا بقوله : «فلا يكن» ، وكان في تعليق المجرور والعمل في الظّرف فيه خلاف ، ومبناه على أنّ «كان» النّاقصة هل تدل على حدث أم لا؟
فمن قال : إنّها تدلّ على الحدث جوّز ذلك ، ومن قال : لا تدلّ عليه منعه».
قال شهاب الدّين (٣) : الزّمخشريّ (٤) مسبوق إلى هذا الوجه ، بل ليس في عبارته ما يدلّ على أنّه متعلق ب «يكون» بل قال «بالنّهي» فقد يريد بما تضمّنه من المعنى ، وعلى تقدير ذلك فالصّحيح أنّ الأفعال النّاقصة كلّها لها دلالة على الحدث إلّا «ليس» ، وقد أقمت على ذلك أدلّة وأتيت من أقوال النّاس بما يشهد لصحّة ذلك كقول سيبويه (٥) ، وغيره في غير هذا الموضوع.
وقال صاحب «النّظم» : وفيه وجه آخر ، وهو أن تكون اللّام بمعنى أن والمعنى : لا يضيق صدرك ولا يضعف [عن] أن تنذر به ، والعرب تضع هذه اللام في موضع «أن» كقوله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ) [التوبة : ٣٢] وفي موضع آخر : (لِيُطْفِؤُا) [الصف: ٨] فهما بمعنى واحد.
قال شهاب الدّين (٦) : هذا قول ساقط جدّا ، كيف يكون حرف مختص بالأفعال يقع موقع آخر مختص بالأسماء؟
قوله : «وذكرى» يجوز أن يكون في محلّ رفع ، أو نصب ، أو جرّ.
فالرّفع من وجهين ، أحدهما : أنها عطف على «كتاب» أي : كتاب وذكرى أي :تذكير ، فهي اسم مصدر وهذا قول الفرّاء (٧).
والثاني من وجهي الرّفع : أنّها خبر مبتدأ مضمر أي : هو ذكرى ، وهذا قول الزّجّاج (٨).
والنّصب من ثلاثة أوجه :
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٨٦.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٦٧.
(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٣٠.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٨٦.
(٥) ينظر : الكتاب ١ / ٢١.
(٦) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٣٠.
(٧) ينظر : معاني القرآن ١ / ٣٧٠.
(٨) ينظر : الزجاج ٢ / ٣٤٨.