قال أبو إسحاق : ما بعد «حيث» صلة لها ؛ وليست بمضافة إليه.
قال الفارسيّ : هذا غير مستقيم ، ولا يصحّ أن يكون ما بعد «حيث» صلة لها ؛ لأنّه إذا كان صلة لها ؛ وجب أن يكون للموصول فيه ذكر ، كما أن في سائر صلات الموصول ذكرا للموصول ، فخلوّ الجملة التي بعد «حيث» من ضمير يعود على حيث دليل على أنّها ليست صلة ل «حيث» ، وإذا لم تكن صلة ؛ كانت مضافة.
فإن قيل : نقدّر العائد في هذا كما نقدّر [العائد] في الموصولات ، فإذا قلت : «رأيتك حيث زيد قائم» كان التّقدير : حيث قائمه ولو قلت : «رأيتك حيث قام زيد» كان التقدير : حيث قام زيد فيه ، ثم اتسع في الحرف فحذف ، واتّصل الضّمير فحذف ، كما يحذف في قولك: زيد الذي ضربت أي الذي ضربته.
فالجواب : لو أريد ذلك لجاز استعمال هذا الأصل فتركهم لهذا الاستعمال دليل على أنّه ليس أصلا له.
قال شهاب الدّين : أما أبو إسحاق لم يعتقد كونها موصولة بمعنى «الّذي» ، لا يقول بذلك أحد ، وإنّما يزعم أنّها ليست مضافة للجملة بعدها ، فصارت كالصّلة لها أي : كالزّيادة ، وهو كلام متهافت ، فالرّد عليه من هذه الحيثيّة لا من حيثية اعتقاده لكونها موصولة.
ويحتمل أن يكون مراده أنّ الجملة لمّا كانت من تمام معناها بمعنى أنّها مفتقرة إليها كافتقار الموصول لصلته أطلق عليها هذه العبارة.
ويدلّ على ذلك أنّ مكّيا (١) ذكر في علة بنائها فقال : «ولأنّ ما بعدها من تمامها كالصّلة والموصول» إلا أنّه يرى أنّها مضافة لما بعدها.
وقرىء (٢) «من حيث لا ترونه» بالإفراد ، وذلك يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون الضّمير عائدا على الشّيطان وحده دون قبيله لأنه هو رأسهم ، وهم تبع له ، ولأنّه المنهيّ عنه أوّل الكلام.
والثاني : أن يعود عليه وعلى قبيله ، ووحّد الضّمير إجراء له مجرى اسم الإشارة في قوله تعالى : (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) [البقرة : ٦٨].
ونظير هذه القراءة قول رؤبة : [الرجز]
٢٤٤٨ ـ فيها خطوط من سواد وبلق |
|
كأنّه في الجلد توليع البهق (٣) |
وقد تقدّم هذا البيت بحكايته معه في البقرة.
__________________
(١) ينظر : المشكل ١ / ٣١٠.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٨٥ ، والدر المصون ٣ / ٢٥٦.
(٣) تقدم.