والبعد عن ساحة المولى.
قلت : بعد وجود جهة القرب في الفعل كما هو المفروض وعدم مزاحمة شيء للامر كما عرفت لا وقع لهذا الاشكال ، لانه لا نعنى بالقرب المعتبر في العبادات الا صيرورة العبد بتلك العبادة ذا مرتبة لم تكن له على تقدير عدمها ، ولا اشكال في ان العبد بعد اضطراره الى مخالفة المولى بمقدار ساعة مثلا لو عمد الى اتيان مقصود آخر له يكون اقرب الى المولى بحكم العقل منه لو لم يفعل ذلك ، وهذا واضح جدا ، وعلى هذا نقول : لا منافاة بين كون هذا الفعل موجبا للبعد والعقوبة من جهة اختياره السابق ، وموجبا للقرب اذا طبقه على عبادة من العبادات ، بمعنى انه في الحال التي يقع منه هذا المقدار من الغصب قطعا لو طبقه على عبادة من العبادات التي فيها جهة حسن لكان احسن من ان يوجده مبغوضا صرفا وهذا المقدار من القرب يكفى في العبادة.
وبعبارة اخرى : لو فرضنا عبدين اوقعا نفسهما في المكان الغصبي بسوء اختيارهما فاضطرا الى ارتكاب الغصب بمقدار زمن الخروج ، فاوجد احدهما في حال الخروج عملا راجحا في حد ذاته طلبا لمرضاة الله دون الآخر ، فالعبدان مشتركان في استحقاق العقاب على الدخول في المكان الغصبي والخروج ، ويختص الاول بما ليس للثاني ، ولا نعنى بالقرب الا هذا المعنى (١).
__________________
(١) فان قلت : ما ذكرته من التقريب في حال الاضطرار جار بعينه في حال الاختيار ايضا ، بمعنى انا لو فرضنا عبدين مختارين في الغصب ولكن يختار احدهما طلبا لمرضاة الله تعالى فعل الصلاة دون الآخر فهما مشتركان في معصية الغصب ويختص احدهما بما ليس للآخر ، غاية الفرق بين الحالين انه في حال الاضطرار النهى ساقط فلا مانع من الامر ، وفي حال الاختيار إمّا نقول بوجود الامر مترتبا على عصيان النهى ان صححنا الترتب في مبحث الضد ، وإمّا نقول بكفاية الجهة ان لم نصححه هناك.
قلت : بعد ما فرضنا تعلق النهى بالفرد بتمام مشخصاته ـ كما هو مبنى القائل بالامتناع ـ فلا يبقى للامر مجال ، وهل هو إلّا اجتماع الضدين في محل واحد؟ واما وجود الجهة المحسنة فلا ـ