واما الجهة التي يفترق فيها الاخبار والانشاء فهو ان الصفة النفسانية في الاخبار تكون من سنخ صفة القطع والجزم ، فكما انك لو اطلعت على قطع في شخص بقيام زيد كان هذا القطع حاكيا لك عن قيام زيد كذلك الصفة الاخبارية صفة نفسانية تحكي عما وراءها وهو الذي يعبر عنه بالحكم تارة وبالاخبار اخرى ، وهو عقد القلب من المتكلم على وقوع قيام زيد ، وايقاعه النسبة بين القيام وزيد ، فهذا الايقاع وعقد القلب : يحكي عن القيام مثلا ، كما ان صفة القطع كذلك ، ولو لم يكن هذا الحكم والايقاع لم يكن في البين حكاية ، ثم ان كان الخارج مطابقا لهذا الايقاع كان صدقا وإلّا كذبا ، كما ان القطع ان كان مطابقا للواقع لم يكن جهلا مركبا ، وإلّا كان جهلا مركّبا واما في الانشاء فسنخ الصفة النفسانية سنخ الارادة ، فكما ان الارادة المتعلقة بقيام زيد مثلا لا تحكي عن وقوع القيام في الخارج ، بل تقتضي وقوعه فيه فكذلك هذه الصفة المحكية بهيئة اضرب ايضا يكون من هذا القبيل.
فان قلت : ما ذكرت حق في مثل «زيد قائم» و «ليقم زيد» ولكن لا يتم في مثل «اطلب» الاخباري و «اطلب» الانشائي ، حيث ان الهيئة في الاول حاكية عن التجزّم بوقوع الطلب في موطنه وهو نفس المتكلم ، وهذا التجزم حاك عن هذا الطلب النفس الامري الخارجي ، ثم ان المحكي بهيئة «اطلب» الانشائي ايضا هو الصفة النفسانية التي تكون من مقولة الارادة ، وان شئت فعبّر عنه بالطلب الايقاعي ، وهذا الطلب الايقاعي ايضا يحكي عن الطلب الحقيقي الذي هو مصداق الطلب بالحمل الشائع ، فلم يتحقق فرق بين هذا الاخبار والانشاء ، حيث ان كلا منهما حاك عن الصفة النفسانية ، وتلك الصفة النفسانية حاكية عن وقوع مضمون الجملة في موطنه.
قلت : نعم لا اشكال في ثبوت الحكاية عن الطلب الواقعي للصفة النفسانية في كلتا هاتين القضيتين ، لكن الصفة المحكية باللفظ في إحداهما تكون من غير سنخ محكيتها ، وفي الاخرى تكون من سنخه ، فانّ المحكية بلفظ «اطلب» الاخباري هو التجزم ، وهو سنخ غير سنخ الطلب الواقعي الذي هو المحكي به ، والمحكي بلفظ «اطلب» الانشائي هو الطلب الايقاعي وهو متحد السنخ مع محكيّه الذي هو الطلب الحقيقي ، وهذا المقدار من الفرق كاف في امثال هذه القضايا التي يكون مضمونها من سنخ المعاني الانشائية ، مثل أتمنى ، وأترجي ، وأستفهم ، وأنهى ، وأمدح وأذم ، ونحوها ، اذا استعملت بطريق الاخبار معها اذا استعملت بطريق الانشاء.
(*١٦ ، ص ٧٧) قوله «دام عمره» وما قد يتوهم في التعبديات من انه قد يؤتى بالواجب بجميع ما اعتبر فيه ومع ذلك لم يسقط الامر لفقد التقرب الذي اعتبر في الغرض فهو بمعزل من الصواب «آه» فانّا اذا فرضنا تعلق الطلب بصرف وجود الطبيعة الذي هو ناقض العدم