بنى مستشفى خاصّا لطلاب العلم (١) ليشعرهم بالكيان المستقلّ والكرامة الموفورة التي كانوا يتمتّعون بها. وفي الوقت الّذي كان فيه رجال السياسة والامراء والقادة والتجّار يتهافتون على بيته للثم أنامله وعرض أنفسهم لخدمته ، كان «رحمهالله» يدور على غرف الطلاب بمفرده للاطّلاع على أحوالهم وأساليب معيشتهم ، والوقوف على مدى عنايتهم بالدرس والمطالعة. فكان يحثّ الكسالى ويشوّقهم ، ويمدح النشطين ، ويمنح المتفوّقين في الامتحان جوائز قيّمة. وكان يوصي الكلّ بالإخلاص في العمل والالتزام بتقوى الله تعالى. ولم يسمع عنه ـ رغم كثرة من كان يعولهم من الطلاب ـ أنّه ردّ طالبا ، أو كسر خاطرا ، أو أخجل إنسانا ، ولذلك كان الكلّ ينظرون إليه نظرتهم إلى الأب الرءوف.
لما ذا لم يقم بالثورة؟
كان الحائري من أشدّ المسلمين غيرة على نواميس الشرع الشريف ، وقد تفانى في خدمة الدين منذ نعومة أظفاره ، وبذل نفسه ونفيسه في سبيل ذلك ، ولاقى من المتاعب والأذى ما ألمحنا إلى بعضه. ولم يكن فيه جبن ولا تخاذل ، وقد كان يرى بام عينيه ما يجري على مقربة منه ، ويسمع أصوات الاستنكار مرتفعة من كلّ جانب ، ولكنّه كان يرى نفسه واحدا من سائر المراجع ، لو قام بالثورة في وجه الطاغية لما اختلف مصيره عن زملائه ، ولذلك رأى أن صبره وسكوته أفضل ما داموا قد تركوه لحاله ، وأنّ ذلك أبقى للعمل الذي أوقف نفسه له ، وأنفع للكيان العلمي الّذي بدأ يرسخ ويقرب من الكمال ، وكان عمله هذا عين الصواب ، والامور مرهونة باوقاتها. وهكذا ظلّ كالطود الأشمّ يدير ذلك الكيان ، ويدرأ عنه المخاطر ، ويردّ عنه غائلة العدوّ رغم الكوارث والهنابث التي كانت تنزل بالشعب الإيراني المسلم على يد حاكمه الجبّار يوما بعد يوم ، ولا سيّما ما ينزل برجال الإصلاح والصلاح ، فكان يرى كبّار العلماء من
__________________
(١) ـ وذلك في عام ١٣٥٣ ه. أى قبل وفاته بعامين ، من ثلث المرحوم سهام الدّولة. ولذلك سمّي : مستشفى السهامية ، كما في تاريخ قم : صفحة ٢٧٦ ويقع بين مستشفى فاطميّة وثانوية الإمام الصادق (عليهالسلام).