الجاهل وحاشيته وحكومته الجائرة ، كلّ ذلك من أجل هدم ما بناه الشيخ وإضعافه. وكان الشيخ واثقا بأنّه هو المقصود ، وانّ تلك الاستفزازات تستهدف شخصه ، فقد كانوا يستفزّونه بين الآونة والاخرى لعلهم يجدون ذريعة يحتجون بها عليه ، ليواجه المصير المرسوم ، في وقت لا تتوفر فيه إمكانيات المواجهة والتصدي لكنّه كان يقظا على ذلك وغير غافل عنه.
وفي ذلك الوقت ، وتلك الظروف السوداء قاوم هذا العالم المخلص ديكتاتوريّة الملك وإباحيته ، ووقف في وجهه مجنّدا كلّ إمكانياته وقابلياته ، موطنا نفسه للعظام ، ومضحّيا في سبيل دعوته بكل ما يملك. ولم تفتّ في عضده أو توهّن من عزمه أو تسرّب اليأس والقنوط إلى نفسه كلّ تلك المحاولات اللئيمة ، والمساعي الخبيثة التي بذلها سماسرة السوء وزبانية الشرّ ، وأعداء الدّين والخير والفضيلة ، وهكذا بقي يقاوم كلّ ما يعترض طريقه من عقبات وعراقيل ، حتّى كلّل سعيه بالنجاح وانتصر ، وباء خصومه بالصفقة الخاسرة ، وعادوا يجرّون أذيال الفشل (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ)(١).
أجل ؛ في هذه الظروف كان الحائري يعمل على توسيع دائرة الحوزة العلميّة في قم ونشر الدعوة ودعم هيكل الدّين وإشادة مجد الإسلام بتنفيذ أحكامه وتطبيق نظامه. وهكذا نمت البذرة الصالحة في تلك التربة الطيّبة ، واتسعت الحوزة العلميّة اتساعا غير منتظر. وما مضت السنوات والأعوام حتّى ازدهرت الحياة الدينيّة والثقافيّة ، وتعدّدت الهيئات العلميّة. وإذا بالكيان الذي شادته البطولات الخارقة والهمم العالية ، ضخما جبارا يضاهي الثريّا رفعة وشموخا.
كان «قدسسره» كثير البرّ بالطلّاب والعلماء ، شديد العطف عليهم والعناية بهم ، ويرعى الصغير والكبير. وبالرغم من تعيينه لموزّعي الرواتب وتوكيله للثقات من أصحابه وتلامذته للقيام باللوازم والاستفسار عن النواقص ، مع ذلك كان يتولّى بعض الامور بشخصه ويباشرها بنفسه. وكان أعدّ لهم كلّ شيء قد يحتاجون إليه ، حتّى أنّه
__________________
(١) ـ سورة فصّلت : الآية ١٦.