تولّى البهلوي بعد القاجاريّين السلطة ، وكان لتولّى البهلوي تأثير بارز في تقليص جهود الحائري والحدّ من نشاطه ، إذ رافقت ذلك أحداث ووقائع جسام ، وكانت سيرة البهلوي الخائن واضحة في عزمه الأكيد وتصميمه على القضاء على الدين ومحو كلّ أثر لرجاله وشعائره ورسومه ، فقد سجن العلماء الكبار ونفى عددا منهم ودسّ السمّ لآخرين وفعل الأفاعيل من هذا القبيل. كما كان الشيخ الحائري أيضا يعرف حقيقة أمر السلطة الّتي قفزت من قزوين إلى دست الحكم في طهران بغتة ؛ لقد كان يعلم جيّدا أنّ السلطة كانت تستمدّ قوّتها من الأجانب الذين لا همّ لهم إلا القضاء على الدّين الإسلامي الحنيف ومحو تعاليمه وقبر دستوره المقدّس «القرآن الكريم» فهم يطالبون بثاراتهم والخسائر الّتي منوا بها في الحروب الصليبيّة التي شنّوها ضد المسلمين ، كما ظهر للعالم صدق هذه الحقيقة بعد عشرين عاما تقريبا عند ما نحّي البهلوي عن الحكم وابعد في سنة ١٣٦١ ه.
أجل ، لقد كان الحائري يعرف خفايا الامور وأسرارها الدقيقة ، ويعلم أنّ المخطّط الذي رسمه أسياد ذلك الطاغية سينفّذ لا محالة. وكان يرى نفسه واحدا من المراجع الّذين لا يتورع الطاغية من سجنهم أو دس السمّ لهم ، أو خنقهم في غربة النفي أو قعر السجون.
وكانت هناك حوزات علميّة صغيرة في خراسان وطهران وتبريز وأصفهان وغيرها من بلاد إيران ، تمكّن الحاكمون من تفريق شملها والقضاء عليها ، وبقى همّهم منصرفا للقضاء على حوزة قم. إلا أنّ حنكة الحائري وإخوانه وصبرهم على المكاره وتحمّلهم للصّعاب قد حال دون ذلك ، وقد كان في قم على عهد الحائري من العلماء الكبار عدد غير قليل ؛ منهم : الشيخ أبو القاسم الكبير ، والشيخ أبو القاسم الصغير ، والميرزا جواد الملكي ، والسيّد حسين الكوچه حرمي ، والميرزا صادق التبريزي ، والسيّد فخر الدّين القمّي (شيخ الإسلام) ، والميرزا محمّد الكبير ، والميرزا محمّد الفيض ، والشيخ مهدي القمّي ، والسيّد محمّد باقر القزويني ، والشيخ محمّد تقي الإشراقي ، والشيخ محمّد تقي البافقي اليزدي ، والشيخ محمّد علي الحائري ، والشيخ نور الله الأصفهاني ، وعشرات غيرهم ممّن أسهم بقسط كبير في التدريس وفي مساندة ودعم الشيخ الحائري ومشايعته في الرأي. وقد تعرّض معظم من ذكرناهم لصنوف الإرهاب والتعذيب من لدن الملك