صيرورته جزئيا بل ينتزع منه الكلّية بعد تعريته عن الوجود الذهني ، كذلك تصوره على الثاني منهما ، إذ لا يعقل الاختلاف في المتصور (*١٠) باختلاف أنحاء التصور ، فهذا المفهوم باللحاظ الأول هو معنى لفظ الابتداء ، وباللحاظ الثاني معنى لفظة «من» ، فمعنى لفظ «من» مثلا حقيقة الابتداء الآلي والربطي ، ولا شكّ أنه كلّي كحقيقة الابتداء الاستقلالي ، نعم تحقّق الأول في الذهن يحتاج الى محل يرتبط به ، كما أن تحققه في الخارج يحتاج الى محل يقوم به ، وكما أن احتياجه في الخارج الى محل خاص خارجي لا يوجب جعل ذلك المحل جزء لمعنى اللفظ كذلك احتياجه في الوجود الذهني الى محل لا يوجب كونه جزء لمعنى اللفظ أيضا.
وأنت اذا احطت بما تلوناه عليك تعرف بطلان كلا الأمرين اللّذين أوجبا توهّم جزئية معاني الحروف :
أمّا تقييدها بالوجود الذهني فلما مرّ في طيّ البيان ، من أن المقصود كونها كلّيات مع قطع النظر عن التشخص الذهني ، إذ بملاحظة ذلك التشخص ليست معاني أسماء الأجناس أيضا كلّيات ، اذ المفهوم المقيد بالوجود الذهني الاستقلالي بقيد انه كذلك أيضا جزئى لا ينطبق على كثيرين ، فكما أن الوجود الاستقلالي في الذهن في معاني أسماء الأجناس لا يخرجها عن الكلّية ، لكون الوجود الذهني ملغى عند اعتبار المعنى ، كذلك الوجود الآلي في الذهن في معانى الحروف.
وأمّا احتياجها الى محال في الذهن ترتبط بها فلما مرّ أيضا ، من أن الاحتياج في التحقق الى شيء لا يوجب كون ذلك الشيء جزء للمعنى.
ومن هنا تعرف أن الحروف التي معانيها انشاءات (*١١) أيضا لا تخرج معانيها بما هي معانيها عن كونها كلّيات (*١٢) ، وإنما التشخص جاء من قبل احتياج تحقق تلك المعاني ، مثلا : لفظة «ياء» النداء موضوعة لحقيقة النداء المتحقق في الخارج ، وهو يحتاج الى المنادي الخاص بالكسر ـ والمنادى الخاص