قلت : الفرق بين المقامين أنه في القضايا الملقاة من الشرع يرى العرف موضوعا وحكما وشيئا آخر يكون من حالات الموضوع وواسطة في ثبوت الحكم لذلك الموضوع ، وان كان عند العقل لا تكون القضية الا مركبة من الموضوع والمحمول والنسبة وليس هناك شيء آخر يكون ظرفا او حالا لثبوت الحكم للموضوع ، مثلا ، اذا قال الشارع : الماء نجس اذا تغير ، فموضوع هذه القضية عند العرف هو الماء ، والتغيّر واسطة لثبوت النجاسة للماء ، فحينئذ لو شك بعد زوال التغير من قبل نفسه في النجاسة من جهة الشك في ان التغير في زمان سبب لنجاسة الماء مطلقا ولو زال بعد ذلك او أنه سبب لها حدوثا وبقاء ، او من جهة الشك في انه بعد زوال التغيّر هل قام مقامه ملاك آخر اولا ، يصدق ان ما كان موضوعا للنجاسة في الزمن السابق باق بعينه ، والشك في النجاسة شك في بقائها ، فيشمله ادلّة الاستصحاب ، واما القضية الملقاة من العقل فليست مشتملة على شيء آخر خارج عن الموضوع يسمى ظرفا او حالا وواسطة في ثبوت الحكم كما كان في القضية الملقاة من الشرع ، فحينئذ متى زال قيد او جزء من الموضوع العقلى فالباقي موضوع آخر مغاير لما كان اولا ، فلا يفرض الشك في الحكم العقلى مع بقاء موضوعه ، ومن هنا يظهر عدم جريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف بالعقل ايضا ، هذه خلاصة ما افاده قدسسره في المقام (١).
اقول : وتحقيق الحال ان يقال : ان عدم الاجمال في موضوع حكم العقل بمعنى ادراكه واذعانه الفعلى مسلم ، لعدم امكان ان يذعن بحسن شيء او قبحه ولم يتعين عنده موردهما ، فاذا حكم بحسن شيء مركب او مقيد او قبحه فجميع خصوصيات ذلك له دخل في حكمه ، بحيث لو زال بعض الخصوصيات وتغير عما
__________________
(١) الفرائد ، في الوجه الثاني من تقسيم الاستصحاب بحسب دليل المستصحب ، ص ٣٢٥ ، وفي التنبيه الثالث من تنبيهات الاستصحاب ، ص ٣٧٨. (طبعة رحمة الله).