وأمّا فعل الماضي فالظاهر ان دلالته على مضى صدور الفعل عن الفاعل مما ليس قابلا للانكار ، والمقصود من المضى المضى بالنسبة الى حال الاطلاق حتى يشمل مثل يجىء زيد غدا وقد ضرب غلامه في الساعة التي قبل مجيئه ، ولا يخفى ان المعنى الذي ذكرنا غير اعتبار الزمان في الفعل ، لان المضى قد ينسب الى نفس الزمان ويقال : مضى الزمان ، فمن انكر اعتبار الزمان في الفعل الماضي فان كان مقصوده ما ذكرنا فمرحبا بالوفاق ، وان انكر دلالته على المضى الذي ذكرنا فالتبادر حجة عليه.
واما المضارع فقد اشتهر انه يدل على نسبة الفعل الى الفاعل في زمان اعم من الحال والاستقبال.
فان اريد من الحال الحال الذي يعتبر في مثل قائم وقاعد وامثالهما عند من اعتبره فالوجدان شاهد على خلافه ، لظهور عدم صحة اطلاق قولك : «يقوم» على من كان متلبسا بالقيام فعلا ، وكذلك قولك «يقعد» على من كان متلبسا بالقعود ، واما اطلاق يصلى ويذكر ويقرأ ويتكلم وامثال ما ذكر على المتلبس بتلك المبادى فانما هو بملاحظة الاجزاء اللاحقة التى لم توجد بعد ، كما انه يصح الاطلاق بنحو المضى بملاحظة الاجزاء الماضية السابقة ، وكذا يصح التعبير بنحو الوصف نحو ذاكر ومصلّى وقارئ ومتكلم بلحاظ أن المجموع وجود واحد متلبس به فعلا والحاصل ان اطلاق صيغ المضارع يصح فيما لم يكن الفاعل حين الاطلاق متلبسا بالفعل.
وان أراد من الحال الحال العرفى اعنى الزمان المتصل بحال الاطلاق فهو مرتبة من مراتب الاستقبال ، وليس فعل المضارع دالا الا على الاستقبال ، نعم لما لا يدل على مرتبة خاصة من الاستقبال يصح اطلاقه على أيّ مرتبة منه ، ولو اطلق الحال على هذه المرتبة من الاستقبال يمكن اطلاقه على هذه المرتبة من الماضى ايضا ، فهلا قيل بان فعل الماضي يدل على الماضي والحال.
وكيف كان تحصل من جميع ما ذكرنا ان الماضي يدل على انتساب المبدأ