وامّا ما كان منها ماخوذا من الادلة الشرعية ، كاصالة البراءة المأخوذة من قوله : «رفع ما لا يعلمون» وقوله «كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي» وكذا اصالة الطهارة ففي تقديم الاستصحاب عليها اشكال ، من جهة ان كلا من قاعدة الاستصحاب والقاعدتين المذكورتين حكم مجعول من الشارع في موضوع الشك ، ولا وجه لتقديم احدى القاعدتين على الاخرى ، سواء جعلنا الشك الموضوع فيها بمعنى التردد في النفس ، ام جعلناه بمعنى عدم الطريق ، اذ على الثاني كل ما قدم من القاعدتين يكون رافعا لموضوع صاحبه.
واستراح شيخنا الاستاذ «دام بقاه» في هذا المقام بما افاده سابقا من وجه تقدم الامارات على الاستصحاب ، وحاصله ان الشك المأخوذ في الاصول هو الشك من جميع الجهات ، فاذا علم الحكم بوجه من الوجوه ارتفع ذلك الموضوع ، وقد علمنا الحكم بعنوان نقض اليقين بالشك ، فلا مجال للاخذ بالحكم المعلق على عدم العلم بوجه من الوجوه (١).
اقول : ليت شعرى ما الفرق بين البناء على الحالة السابقة الذي هو حكم الشك في باب الاستصحاب ، والبناء على الاباحة الذي هو ايضا حكم الشك في باب البراءة؟ ، وهكذا البناء على الطهارة الذي هو مفاد قاعدة الطهارة ، وما الّذى رجح الاستصحاب حتى صار منشأ للحكم بهذا الوجه وارتفع به موضوع الاصل المخالف له؟
وقال شيخنا المرتضى «قدسسره» في وجه تقدم الاستصحاب على اصالة البراءة ما لفظه : ان دليل الاستصحاب بمنزلة معمم للنهى السابق بالنسبة الى الزمان اللاحق ، فقوله عليهالسلام : «لا تنقض اليقين بالشك» يدل على ان النهى الوارد لا بد من ابقائه وفرض عمومه ، وفرض الشيء في الزمان اللاحق مما ورد فيه النهى ايضا ، فمجموع الرواية المذكورة ـ والمراد بها كل شيء مطلق ـ
__________________
(١) تعليقة الفرائد ، ص ٢٢٧.