وأما الجمع بين مفاد قولى الشاهدين فينحصر في الثاني ، اما اذا كان القولان نصين فواضح ، واما اذا كانا ظاهرين ، او احدهما ظاهرا والآخر نصا ، فلأن الجمع بهذا المعنى يتجه فيما اذا كان المتكلم واحدا او في حكم الواحد ، واما في صورة تعدد المتكلم فلا وجه للتصرف في ظاهر كلام احدهما لنصوصية كلام الآخر او اظهريته.
اذا عرفت هذا فنقول : ان سلمنا كون القاعدة المعروفة موردا للاجماع فلا محيص في امثال المقام من الاخذ بمفاد بعض قول كل منهما وطرح البعض الآخر ، لان طريق الجمع منحصر في ذلك ، ولا بد من الجمع بحكم القاعدة المفروض كونها اجماعية ، وان لم نقل بذلك كما هو الحق وقلنا بعدم الدليل على ذلك الا في الدليلين اللذين لم يتحير العرف في استكشاف المراد منهما بعد فرض صدورهما فاللازم التمسك بدليل آخر في امثال المقام.
والذي يمكن ان يكون وجها للحكم بالتنصيف في المسألة المذكورة ونظائرها انا نعلم بوجوب فصل الخصومة على الحاكم ، ولا وجه لان يحكم لاحدهما على الآخر ، فالحكم بالعدل عرفا ان يحكم بالتنصيف ، ويمكن ان يستظهر ذلك ايضا من الرواية الواردة في الدرهم (١) إلّا ان يقال : ان الحكم الوارد في الدرهم قضية في واقعة ، ولا يستكشف منها عموم الحكم لكل مال مردد بين اثنين ، والوجه الاول لا بأس به اذا لم يكن في البين طريق شرعي لتعيين الواقع ، وقد جعل الشارع القرعة لكل امر مشكل ، والمسألة محتاجة الى مزيد تامل.
ثم انك قد عرفت مما مضى ان الجمع بين الدليلين فيما اذا لم يكن العرف متحيرا في المراد بعد فرض صدور كليهما اولى من طرح احدهما والتخيير بينهما ، واما فيما اذا كان متحيرا على فرض الصدور فلا دليل على الجمع ولا يصح ،
__________________
(١) الوسائل ، الباب ٩ من ابواب كتاب الصلح.