اقول : الاقوى عندى التخيير مطلقا ، لان التكليف الشرعي بمقتضى الدليل الاولى ثابت في كلا الطرفين ، فالمقتضى للامتثال موجود فيهما ، وبعد عدم امكان الجمع ووجود المقتضى في كلا الطرفين تاما يحكم العقل بالتخيير ، لان التعيين ترجيح بلا مرجح ، فان مقتضى الامتثال انما هو امر المولى ، والعلم بان الواقع مطلوب للمولى من حيث هو وان احتمل عدم فعلية الطلب من جهة احتمال عروض عوارض اقتضت ذلك ، وهو موجود في كلا الطرفين من دون تفاوت اصلا ، نعم اشدية المناط توجب امرا آخر من قبل المولى على سبيل التعيين ، بملاحظة حال التزاحم ، وحيث لا سبيل الى العلم به ، كما هو المفروض ، فمقتضى الاصل البراءة.
والحاصل : انه فرق بين ما نحن فيه وبين دوران الامر الصادر من المولى بين التعيين والتخيير ، فانه في الثاني لم يثبت امر من المولى متعلقا بالطرف المشكوك ، فالاتيان به لا يوجب البراءة من الامر المعلوم على سبيل الجزم ، فيجب الاحتياط باتيان الطرف المعلوم ، قضاء لاشتغال الذمة بالتكليف يقينا ، واما فيما نحن فيه فكل طرف اتى به يعلم انه متعلق للتكليف الثابت عليه او لا ، نعم يحتمل ان يكون الآمر بواسطة الاهمية يرجح طرفا معينا (١) وحيث لم يثبت
__________________
(١) ملخص المقام انه اما ان نقول في المتزاحمين بان كلا من التخيير عند التساوي والتعيين عند الاهمية عقلي ، او بان الاول عقلي والثاني شرعي ، او بان كليهما شرعي ، وقد عرفت الحال مما ذكره في المتن بناء على الاخيرين ، واما بناء على الاول فالحق ايضا هو البراءة عن التعيين في صورة احتمال الاهمية ، فان التكليف بالاهم الواقعي في صورة عدم ابتلائه بالمهم كذلك ، وان كان العلم به منجزا له بمرتبته الواقعية ، واما مع ابتلائه بالمزاحم فلا نسلم ذلك ، ألا ترى انه لو علم بالمساواة او باهمية المزاحم فقدم ذلك المزاحم لا يكون معاقبا على ترك هذا الاهم الواقعي ، مع انه في صورة عدم المزاحمة لو تركه بتخيل المرتبة الضعيفة من الوجوب لكان معاقبا ، فيعلم من ذلك ان العلم بالتكليف في صورة المزاحمة منجز لاصله دون مرتبته. (م. ع. مدّ ظلّه).