المعنى ، تقديره : ومنهم دون أهل ذلك الصلاح ، ليعتدل التقسيم ، وإن أشير به إلى الجماعة ، أي : ومنهم دون أولئك الصالحين ، فلا حاجة إلى تقدير مضاف ؛ لاعتدال التقسيم بدونه.
وقال أبو البقاء (١) : دون ذلك ظرف أو خبر على ما ذكرنا في قوله : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) [الأنعام ٩٤] وفيه نظر من حيث إن «دون» ليس بخبر.
قوله : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ) أي : عاملناهم معاملة المبتلى المختبر بالحسنات ، وهي : النّعم والخصب ، والعافية ، والسّيّئات وهي الجدب ، والشّدائد.
قال أهل المعاني : وكلّ واحدة من الحسنات والسيئات تدعو إلى الطّاعة ، أمّا النعم فللترغيب ، وأمّا النّقم فللترهيب.
(لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ :) لكي يندموا ويتوبوا ويرجعوا إلى طاعة ربّهم.
قوله : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ) الآية.
الخلف والخلف ـ بفتح اللام وإسكانها ـ هل هما بمعنى واحد؟ أي : يطلق كل منهما على القرن الذي يخلف غيره صالحا أو طالحا ، أو أنّ السّاكن اللام في الطّالح ، والمفتوح في الصّالح؟ خلاف مشهور بين اللّغويين.
قال الفرّاء : يقال للقرن «خلف» يعني ساكنا ولمن استخلفته : خلفا ، يعني : متحرك اللّام.
وقال الزجاج : الخلف ما أخلف عليك بدلا ممّا أخذ منك ؛ فلهذا السبب يقال للقرن يجيء بعد القرن «خلف».
وقال ثعلب : النّاس كلّهم يقولون «خلف صدق» للصّالح ، و «خلف سوء» للطّالح ؛ وأنشد : [الكامل]
٢٦٠٦ ـ ذهب الذين يعاش في أكنافهم |
|
وبقيت في خلف كجلد الأجرب (٢) |
وقالوا في المثل : سكت ألفا ونطق خلفا ويعزى هذا إلى الفرّاء ؛ وأنشد : [المنسرح]
٢٦٠٧ ـ خلّفت خلفا ولم تدع خلفا |
|
ليت بهم كان لا بك التّلفا (٣) |
وقال بعضهم : قد يجيء في الرّديء «خلف» بالفتح ، وفي الجيد «خلف» بالسّكون ،
__________________
(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٢٨٨.
(٢) البيت للبيد ، ينظر : الديوان ١٥٧ ، التهذيب ٧ / ٣٩٤ ، اللسان «خلف» والكامل ٤ / ٣٣ ، وجامع البيان ١٣ / ٢١٠ ، والتفسير الكبير ١٥ / ٤٣ ، والبحر المحيط ٤ / ٤١٣ ، والألوسي ٩ / ٩٦ ، والدر المصون ٣ / ٣٦٥.
(٣) البحر ٤ / ٤١٣ ، الدر المصون ٣ / ٣٦٥ ، النكت والعيون ٢ / ٦٧.